العدد 4250
الأربعاء 03 يونيو 2020
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
تَحرّك أو تَحجّر!
الأربعاء 03 يونيو 2020

رأينا كيف أن كثيرًا من أنشطة القطاع الخاص التجارية وغيرها، قد توقفت أو تعطّل عملها فترةً ليست قصيرة أو هيّنة في العُرف الاقتصادي، منذ بدء الحجر الصحي الاحترازي، وما نجم عنه من كساد بعض الأنشطة، وخسارة أخرى، ويستوي في ذلك الأفراد أصحاب المشاريع الصغيرة؛ إذ نزل عليهم الوباء بالوبال، وتضرر منهم مَن تضرر، ولولا الدعم الحكومي لرأيتهم ينفضون الأكفّ، ويقلّبونها؛ حسرة وخشية.

في الأثناء، وجدنا الغالبية من موظفي الحكومة في حالة من السكينة والهدوء، يعيشون الطمأنينة، لولا الشائعات أو بعض الأخبار التي تصل إلى مسامعهم بين فترة وأخرى، حول فرض ضرائب أو تخفيض رواتب وأجور، ولطالما كان العمل في القطاعات الحكومية العامة، الخيار المفضل لدى الكثيرين؛ إذ يرونه أكثر استقرارا، وأمنًا؛ فنسبة المخاطر تكاد تكون صفرًا، وفي ظل عقلية مجتمعية تهاب المجازفة، أو المخاطرة؛ فإن نسبة الأفراد الذين يمتهنون أكثر من مهنة أو نشاط؛ منخفضة، إذا ما قارنّاها بنسبة ذوي الوظيفة الواحدة، من الآمنين في سِرب القطاع العام.

والحقيقة، أن الظرف (الكوروني) الذي حلّ فجأة، وقلب كثيرًا من الموازين؛ أثبت لنا أن ما كنّا نراه مستقبلا بعيدا أصبح قاب قوسين أو أدنى منّا، وأن ما استبعدنا وقته حول أفول وظائف أو انقراضها، واستحداث أخرى؛ بدأت بوادره أمام أعيننا! جلسنا في منازلنا من دون مقدمات طويلة؛ لنمارس العمل أو الدراسة عن بعد؛ وليحل الفرد الواحد – في الوظيفة التعليمية مثلا – محل جحافل من المدرسين؛ ليصل درسه إلى آلاف التلاميذ، متجاوزًا الزمان والمكان! أليست هذه بداية تجريبية، غير مسبوقة التخطيط في بلادنا العربية، تؤدي إلى تقليص الوظائف في مستقبل وشيك، ووشيك جدًا، ولاسيما أن العالم الذي يُسمي نفسه متقدمًا (يُدندن) حول هذا الموضوع، وإحلال علوم المستقبل، محل الحالية التقليدية؛ ما سيجعل كثيرًا من الشهادات الأكاديمية، عديمة الجدوى، ما لم تقترن بمهارات ذات علاقة بها.

الخلاصة: هذا زمن متحرك نحو الأمام، بصورة مفرطة في السرعة، والمستقبل مجهول، ولا شيء آمن أو مضمون - كما رأينا – لذا يجب (جدًا) أن يكون للفرد أو المؤسسة أكثر من نشاط، أو تجارة، أو وظيفة، أو مهنة، مع ضرورة اللحاق بالمهارات المستجدة، وتعلمها أولا بأول. كل سنة جديدة لا تحمل قيمة مضافة هي تأخر ورجعية وابتعاد شديد عن هذا الحاضر المتربع – بشدة - حُضن المستقبل. هذا المستقبل يجري باتجاهنا بسرعة قصوى، وكأنه ينوي اقتلاعنا؛ ليجرنا نحوه، فإما أن نتحرك معه، أو نقف على الأطلال، ونتحجّر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .