العدد 4257
الأربعاء 10 يونيو 2020
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
ظننّا أنّا مُحصّنون!
الأربعاء 10 يونيو 2020

لا عجب أن يستشعر الواحد منا، وهو يشاهد كوارث الطبيعة، وأخبار الحروب، والهروب، حالة من الطمأنينة؛ فما يجري، وبشكل متكرر، بعيدٌ عنه مكانيًا – على الأقل – وهو ما يُرسِّخ لديه الإحساس بالأمن من الخطر، وإنْ توجس من وصول بعض الشرارات إليه، إلا أنه اعتاد اليقين بأنه مُحصّن، وأنه يقع في الطرف الآخر؛ فهو المتفرج، أو المُشاهد، وواحدٌ من الجمهور، أما الآخرون البعيدون؛ فهم الطرف المقابل: الضحايا، والمنكوبون.

هذه نعمة ولا شك، غير أنها حوّلتنا إلى واثقين بالحاضر المَعِيش؛ مُسَلِّمين به؛ فأغمضنا أعيننا، في سكينة من لا تُحيق به الحوادث، وقلَّ حذرُنا، وكأن كل فردٍ منا هو الناجي الوحيد، وآخر واحد على الكوكب؛ قد يُصيبه مرض، أو موت، أو حاجة! لذلك لا عجب إن وَجَدتَ كثيرا من العقليات بيننا؛ لا تستجيب إلى نداءات التحذير، أو تساهلت معها؛ فهناك في بقعة عميقة من الدماغ تجلس أميرة الراحة والسكينة، التي تؤكد له أنه بخير، وبمعزل عن شرور العالم، فلطالما كان المتفرجَ، في ذاك الطرف النقيض!

ألمْ يراقب هذا الكورونا ينتشر في الصين البعيدة! هذه الصين التي استقرت في المخيلة العربية – بالذات – بوصفها أبعد نقطة قد يصل إليها عربيّ أو مسلم، ومن ثمّ، توطّد لديه الشعور بأن الأمر لا يعنيه!؟ فلمّا نزل الكورونا في أحيائنا، وأصاب منا مَنْ أصاب، لم يزل يرى نفسه في منأى، وحصن حصين، وبغض النظر عن كيفية انتشار حالات الإصابة؛ فإننا بحاجة إلى خلخلة هذه العقلية الآمنة القريرة، لا لإثارة الرعب أو الفزع، ولكن لتحريك الجمود، وحلحلة الملفات المرتاحة في الأدراج، وتنبيه الأذهان إلى أهمية استثارة الشكوك، وزعزعة بعض الأفكار اليابسة؛ فالقناعات الثابتة لا تتناسب مع ما يستجد أو يطرأ.

نعم، لسنا بأمان إنْ أيقنّا أننا آمنون أبدًا، لسنا بأمان إنْ لم نعمل يوميًا على تأمين أماننا نفسه: صحتنا، عملنا، علاقاتنا... لسناَ بأمان ما لم نمد بصرنا إلى الآخرين – في الطرف الآخر – بوصفنا جمهورا مدركًا، مُستفيدا من تجارب وأحداث وعِبَر هؤلاء، وأنها حين تصل إلينا: سنحسن التصرف، ونتعامل بوعي ومسؤولية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية