العدد 4258
الخميس 11 يونيو 2020
banner
الإنسانية بين النظرية والواقع
الخميس 11 يونيو 2020

يروي الشيخ علي الطنطاوي – رحمه الله - حادثة وقعت في عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز – رضي الله عنه - عندما استنجد به أهل سمرقند طالبين منه أن يبتّ حكما في قضية تُعتبر من القضايا المشرقة في تاريخنا الإسلامي العظيم؛ فقد شكا كهنة “سمرقند” من أن جيش المسلمين الذي دخل عليهم لم يقم بدعوتهم إلى الإسلام بادئ الأمر وأنّه لم يمنحهم فرصة التفكير كي يقرروا في ذلك، بل باغتهم على حين غفلة حتى تمكن من إحكام سيطرته الشديدة على المدينة، فما كان من الخليفة عمر بن عبدالعزيز إلا أن طلب من القاضي أن يقطع النزاع بينهم.

طلب القاضي حضور الطرفين: قتيبة قائد جيش المسلمين وكبير كهنة سمرقند الذي سمح له القاضي بالكلام أولا قائلاً له: “ما دعواك يا سمرقندي؟”، فأجاب: إن قتيبة هجم علينا ولم يدعنا إلى الإسلام ولم يمهلنا أي وقت في ذلك، التفت القاضي إلى قتيبة وقال: وما قولك في هذا الادعاء؟ حينها أجاب قتيبة بأن جميع المدن حول هذه المدينة لم تدخل الإسلام طواعية ولم تكن تقبل بدفع الجزية فارتأيتُ مباغتة المدينة حتى يُجبر أهلها على دخول الدين الإسلامي.

فكان رد القاضي صادماً عندما قال: يا قتيبة ما نصرَ الله هذه الأمة إلا بالدين، واجتناب الغدر، وإقام العدل، لهذا قضينا بأن يخرج المسلمون من المدينة ثم تقوم بإنذار أهلها لترى ما يفعلون، لذلك تقرر إخلاء المدينة من المسلمين فوراً. وبالفعل؛ بدأ المسلمون بالانسحاب العاجل تاركينَ وراءهم الدكاكين والبيوت وكل شيء تنفيذاً لأمر القاضي. وأثار هذا المشهد أهل سمرقند كثيرا وجعلهم غير مصدّقين ما تراه أعينهم، فخرجوا كافة مع كهنتهم متجهين إلى معسكر المسلمين وهم يرددون: “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”.

تمثلُ لنا هذه الحادثة جوهر الدين الإسلامي الحقيقي، النبل في أعلى مستوياته وفي كل جوانب الحياة سِلما أو حربا، هاكَ أيها العالم الآخر، وهاكم يا من تدعون الإنسانية في دولكم التي أسميتموها دول التحضر، يا من صممتم آذاننا بزيف شعاراتكم الفارغة، بينما القتل في بلادكم على أساس اللون والدين... لا أستطيع التنفس.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية