العدد 4264
الأربعاء 17 يونيو 2020
banner
بين الثقافة والإبداع
الأربعاء 17 يونيو 2020

في خضم ما نشهده في العصر الحالي من نتاج إنساني مبدع للمعلومات، لابد لنا أن نميّز بذهن متيقظ الفرق بين أن نسعى إلى معرفة كل شيء بدافع الحصول على لقب “مثقّفين”، وأن نسعى إلى الإدراك العميق لما يهمّنا ذاتيا من تلك المعلومات فنكون “مبدعين”. والحقيقة أن المبدعين هم من أدركوا ما يمت بفكر عميق في مجال إبداعهم، ولم يتشتتوا في المعرفة.

والإنسان بطبيعة الحال عندما يسعى للمعرفة والحصول على معلومات في مجالات متعددة فهو بحد ذاته دمار له وليس بناء، لأنه يفقد التركيز في القيمة العليا الذاتية التي هي بوصلته الربانية، فالقيمة العليا الذاتية رسالة ضمنية معلوماتية تشكل الطاقة الداخلية المحركة لأجسادنا، لذا فإن ممارستها بتناوب التحدي والإنجاز يشعرنا بالحب الحقيقي المتوازن، وكلما أدركنا قيمتنا العليا بالتركيز في المعرفة في المعلومات المرتبطة بها ومارسناها في رحلة الوصول إلى تحقيق الهدف، فإننا بذلك نرتقي بوعينا الكوني، ونفعّل توازننا الفسيولوجي لتفعيل أداء أعضاء أجسامنا. فبهذا نكون قد حققنا معادلة الحياة المعنيّة بالحب الواعي.

أيضا نجد أن العقل حلقة الوصل بين الجسد والروح، أي الوعي الجسدي والوعي الروحي الذي هو الأصل، لذا فإن توجيه لجام العقل للمزيد من إدراك القيمة العليا يلهم للمزيد من العطاء للإنسانية، وكذلك يفعّل الصحة التكاملية النفسية والجسدية، أما أن نطلق لجام العقل للتخبّط بين أشكال الإدمان المتنوّعة على الملذات وقيم الآخرين وثقافتهم، فهو استنزاف لطاقاتنا، لأنها عقيمة تفتقر التركيز على الإنتاج الجديد والإبداع. إنّ ذلك التباهي بالمعلومات المختزنة تحت مسمّى “مثقف” يجلب الأمراض لأن في تحصيل المعلومات المشتتة تشتيت للأفكار المفعّلة في الدماغ بتشتت المسارات العصبية، وبطبيعة الحال، يبدأ الاتساق مع الانبعاث الكوني عن طريق التسليم للقيمة العليا الذاتية التي مكمنها القلب والذي بدوره يتسق مع الفص الأمامي من الدماغ لالتقاط أفكار نتخيلها ونحيى بها فتحيى بنا وتخلّد، بذلك يكون إدراك العقل بتلك القيمة الكونية، بعيدا عن التشتت والبرمجة، وبهذا نصبح “مبدعين” بدل أن نكون “مثقفين” غير منتجين، دعوة إلى التأمل في الذات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .