العدد 4296
الأحد 19 يوليو 2020
banner
أوغلو والعمى الاستراتيجي (2)
الأحد 19 يوليو 2020

للتذكير، إن انشقاق أوغلو عن حزب العدالة والتنمية لم يكن انشقاقاً على قناعات وسياسات واتجاهات آيديولوجية للحزب، بل كان تمرداً على رغبة السلطان في الانفراد بكعكة السلطة والحكم وإقصاء حلفائه القدامى، أصحاب الفضل في صعوده السياسي، وبالتالي فهو خلاف قشري وصراع شخصي لا خلاف على مبادئ وسياسات، وعلينا أن نتذكر جيداً أن استقالة أوغلو من الحزب الحاكم في عام 2019 لم تكن بسبب اعتراض على سياسات أردوغان تجاه سوريا ولا تدميره علاقات تركيا مع جوارها العربي، بل كانت بسبب “ما رآه من تغيرات في أولويات وخطابات وسياسات إدارة حزب العدالة والتنمية”، معتبراً أن “الحزب ابتعد عن قيمه وخطاباته وسياساته، وأولوياته قد تغيرت”.

لم يكن أوغلو يغضب من انتهاك الحريات كما ادعى ذات مرة في تفسيره للانشقاق من حزب العدالة والتنمية، فهو من أرسل رسالة لقادة العالم حينما كان في منصبه يبرر فيها اعتقال الآلاف من الجيش التركي وضباطه مبرراً ذلك بأن “إرهابيين متوغلين في القوات المسلحة التركية حاولوا في ليلة الخامس عشر من يوليو، الإطاحة برئيس البلاد والحكومة وإغلاق البرلمان والنظام الدستوري” وأن “إحباط الانقلاب الفاشل تم بفضل القيادة القوية للرئيس أردوغان، والشعب التركي...”.

الحقيقة أن أوغلو غاضب من أردوغان منذ أن قرر الأخير إقالته من منصب رئيس الوزراء ورئاسة حزب العدالة والتنمية في عام 2016، حيث أعرب علناً عن ندمه لعدم اختياره الكفاح ضد استبداد أردوغان، وسبق أن صرح في حديث أدلى به للكاتب التركي مراد يتكين أنه كان يجب أن يصر على قائمة القيادات التي أعدها للعرض على المؤتمر العام للحزب الحاكم في 12 سبتمبر 2015، مبدياً ندمه لقبول القائمة التي أعدت وقتذاك بتعليمات من أردوغان! ومبرراً رضوخه بالرغبة في تفادي ظهور انقسامات داخل الحزب، وقد اعترف أوغلو بأن انقلاب حزب داخلي قد تسبب في مغادرته منصبي رئيس الوزراء والحزب ومعترفاً بالخطأ في ثقته بزملاء داخل الحزب! ولم يكن يتوقع أن الرفاق الذين يثق فيهم سيوقعون نص إقالته وتجريده من مناصبه استجابة لتعليمات السلطان.

المسألة كلها إذا صراع مصالح ومحاولة لإثبات الذات ورد الاعتبار السياسي من جانب أوغلو في مواجهة صديقه وحليف دربه أردوغان والرفاق القدامى، وعلينا كعرب ـ ولاسيما الإعلاميين والمحللين ـ أن نتفهم قليلاً محركات السياسة التركية ومجرياتها كي لا نقع مجدداً في فخ التهليل لأشخاص لا يختلفون مطلقاً عن المتصدرين للمشهد الذين يغتالون أحلام أشقائنا الليبيين في معيشة كريمة ووطن مستقل، وقد شاهدنا الآن أنه في لحظة واحدة تخندق أوغلو سياسياً مع حليفه القديم أردوغان مهاجماً من يدافعون عن الشرعية الدولية وسيادة ليبيا! فهل هناك من يرى بعد الآن أن أوغلو، الذي غادر نظرية تصفير المشاكل وعاد بنظرية العمى الاستراتيجي، البديل المنقذ الذي ينتشل تركيا من أحلام السلطان وأوهامه؟!. “إيلاف”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية