العدد 4297
الإثنين 20 يوليو 2020
banner
عُشاقُ المظاهر... ألمْ ينقرضوا؟!
الإثنين 20 يوليو 2020

هؤلاء هُمْ، قبل كورونا وبعدها، لمْ يتغيرْ من قناعاتِهم شيء، حبُ المظاهر يجري في عروقِهم بدلَ الدماء، حتى صارت ملاحقة آخرِ إصدارات الماركاتِ العالمية شُغلهمُ الشاغل، يُسارعونَ إلى اقتناءِ كلِ جديد مهما كان مظهرهُ ومهما غلا ثمنه، فقط لأنه يحملُ اسمَ ماركةٍ تجاريةٍ عاليةَ الصِيت.

نحن لا نتحدثُ هنا عن الفئةِ المعتدلةِ من الناس، الذين يقتنون الماركات المشهورة لأسبابٍ مقنعة، كما يعتقدون، ولا يُبالغون في القيامِ بذلك. هؤلاء يفضِّلونَ شراءَ أجودِ المنتجات لأنهم يبحثون عن بضاعةٍ ذاتَ جودة لا يعتريها الاهتراء سريعاً ويجدون في ذلك حكمة؛ فهم يمارسون ما يُسمى بالتسوق الذكي، كما أنَّهم يزعُمون أنّ المادةَ الأولية المستخدمة في صناعةِ هذا النوع من البضائعِ المشهورة أكثرَ راحة وأقربَ إلى الطبيعة؛ فهي ليست مُصنَّعةً في الغالب؛ وبذا فهي “تستاهلُ” كل فلسٍ يُدفعُ فيها، ويعتبرونها صفقةً مربحةً تظلُّ معهم عمراً مديداً، لا يحتاجون لتبديلها إلا بعد وقتٍ طويل.

وبعد ظنِنا أنهم بدأوا بالانقراض، نرى أنَّ مُدمني الماركات الذين نتحدثُ عنهم اليوم، همُ المهووسونَ بشراءِ كلِ جديد يُطرحُ في الأسواق من قِبلِ الشركاتِ التي تحملُ علاماتٍ تجاريةٍ عالمية معروفة، أيا كان المنتجُ، وبغضِّ النظرِ عن حاجتِهم له أم لا. هؤلاء يقتنونَ هذا النوع من المنتجات ليملأوا خزائنَهم الممتلئةَ أصلاً، وليتفاخروا عبرَ وسائلِ التواصلِ المختلفة بامتلاكِهم كلِ هذا الكم من الماركات العالمية باختلافِ أنواعِها واستخداماتِها، حتى أنهم لا يملكونَ مكاناً في منازلهم لتخزينها، ولا همْ بواردِ استعمالِها جميعها. أليس ذلك من الهوسِ البالغِ بالشيء والإسرافِ المنهي عنه في شرعِ الله؟! وإنْ كانوا يملكونَ أموالاً طائلةً على سبيلِ المثال، فهل من الحكمةِ والضميرِ الإنساني أنْ يستعرضوا ماركاتِهم باهضةَ الثمن أمامَ المحرومينَ والمعوزينَ في المجتمع بصورةٍ تُثيرُ الاشمئزاز َوالضيق؟

هذا النوع السطحي من البشر لا يُجيدُ سوى الفشخرة الفارغة، ولا يتمتعُ بالحِسِ والذوق، أو يعلمُ كيف يعيشُ الآخرون، ولا يفكرُ فيمَ قد يقولهُ الناس، بل ويتعمدونَ نقلَ رسائلَ مُهينة للطبقاتِ الفقيرةِ في المجتمع مفادُها، نحن نملكُ وأنتمْ لا تملكون، ونحن الأعلى طبقة وأنتم الأدنى منزلة، حتى أنكم قد ترونَهم يوماً يضعونَ أرديتَهم الفخمةَ بـ (تاقاتها) وأسعارِها متدليةً للعامةِ كي يراها الجميع، وبدلَ أنْ ينقرضَ هؤلاءِ المتعجرفونَ المرضى بالنقص الذين لا قيمةَ لهم إلا بما يلبسون، يعودونَ بشكلٍ مؤسفٍ للتكاثرِ من جديد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية