العدد 4299
الأربعاء 22 يوليو 2020
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
الفرق الكبير بين رجال الدين وعلماء الدين
الأربعاء 22 يوليو 2020

كلما اشتعلت حرائق الأسئلة المتباينة في أي موضوع، عُد هذا شيئا إيجابيا لتحريك الأسئلة والنقاش. لا يهم من مع الفكرة أو من ضدها، المهم أن يصبح جدلا لكسر الجمود، ويكون هناك حراك كي يستمر التنوير تماما كما يعمل فلاسفة اليونان في أثينا، وما يقوم به فلاسفة أوروبا في القرون الوسطى بعيدا عن خلط الأوراق. عشرات الاتصالات والإميلات تدعوني لمواصلة النزف على ورق الكتابة. وأشكر المتصلين من بعض أهالي رأس رمان وسترة وجدالحاج وشارع البديع والمنامة والبقية على تقديرهم لما أكتبه من مقالات وطنية.

دعوني أشرح مفهوما مهما عن الفارق بين رجال الدين وعلماء الدين، وما هي مفاهيم الإنسانية التي أطرحها. هناك فرق كبير بين رجل دين وعالم دين. علماء الدين هم من يعملون بالعلم والمعرفة والوسطية، ويزيدون من تقريب الناس نحو الإنسانية والسلام والمحبة ويحببون الله في خلقه، ويعملون على نشر ثقافة التسامح، وهولاء موجودون في كل مكان من قبيل السيد الخوئي والسيد محمد حسين فضل الله والسيد هاني فحص، والداعية محمد عبده والشيخ محمد الغزالي. فالسيد فضل الله ليس رجل دين، بل عالم دين، ولا يوجد شيء في الإسلام اسمه رجل دين، هناك عالم دين. تعمد البعض الخلط. لا يهم. أنا أحترم علماء الدين، كتبت قبل شهر مقالا يحمل مدحا لعلماء دين بحرينيين قلت فيه “والشيخ المتقد ابتسامة حب على شفتي الضمير، الشيخ عبدالأمير الجمري، وشيخ الدمعة حين تذرف من عيون منبر ولاء، الشيخ أحمد خلف العصفور أو تعملق الحكمة لصناعة العقل، للشيخ سليمان المدني”.

أما رجل الدين فهو الذي يدعي معرفة الدين ولا يفهم الدين وهؤلاء هم وراء الخرافة أو التطرف. طبعا حاول البعض خلط الأوراق عبر إثارة متعمدة. الغريب أن الحملة استعرت بشكل واضح قبل أسبوعين لكن ذاك لا يهم، المهم هو نية الإنسان مع ربه. فلا أحد يزايد عليَّ في حبي لأهل البيت (ع) خصوصا الإمام علي (ع)، وأنا الشخص الوحيد الذي ظل لأشهر يدافع عن وقف الإمام الحسين (ع)، ودافعت عن حق أئمة المساجد، وهم علماء دين، وطالبت في مقالات عدة بوضعهم ضمن كادر الأئمة والتوظيف مراعاة لوضعهم المادي، وإذا كنت كما راحوا يثيرون الشبهات، وخلط الأوراق على الناس البسطاء، لماذا لم يدافعوا هم عن المآتم والمساجد ووقفيات الإمام الحسين (ع)، ولماذا كتبت وحاضرت في ملحمة كربلاء بنصوص أدبية مسجلة؟

عندما أقول رجال الدين خربوا الذوق العام وروجوا للخرافات فأنا مقتنع بذلك، أما علماء الدين فروجوا العلم والمعرفة. فمحاربة الخرافة ناقشها السيد فضل الله وكثير من العلماء، فلابد من أن ننقي تراثنا من أي خرافات. اقرؤا “الملحمة الحسينية” للشيخ منتظري. وآراء السيد الخوئي في الخرافات والشيخ الوائلي. أنا أعرف من البداية أن هناك من لن يقبل توعية الناس بالتنوير، وهذا أمر طبيعي في كل حراك ثقافي اجتماعي. أنا أعرف المئات من طلبة العلوم الدينية، وعلماء دين قطعت أرزاقهم وشوهت صورهم ودفعوا ثمنا غاليا وهم أتقياء ومحبون لأهل البيت (ع) فقط لأنهم يرفضون أن يدخلوا في الأحزاب أو السياسة أو أن يتحزبوا، ومازلت عندي صداقات معهم.

أنا شخص واضح وشفاف وخطاباتي واضحة، وأعلم أن كل الحرائق التي يشعلها هؤلاء فقط لأني أدافع عن قانون العقوبات البديلة، لأن بعضهم ضد القانون، ولا يريدون خروج المحكومين بهذا القانون، ولأني خرجت بخطاب صوتي أدافع عن القانون وعن الناس، وتكلمت فيه عما تعانيه أمهات وزوجات وأبناء المحكومين الجنائيين وعن ملفات الناس الخدمية وغيرهم ظنا منهم أني أريد السطو على حب الناس. والان بدأت الحملة تستعر بصور مختلفة.

أقول لأهل القرى والمدن، أنا عملت بكل ما أمتلك دفاعا عن قانون العقوبات لأجل عيونكم وعيون المحكومين وعين الوطن وعملت ما يمليه الواجب علي والآن جاء دوركم. اكسروا حاجز الخوف في الدفاع عن هذا الحق. هولاء أبناؤكم. يأتي دوركم الآن في الدفاع عنهم. من يحب الناس لابد أن يسعى لخلق سلام لهم.

هناك من علماء الدين من حفظوا الإسلام وحفظوا الأوطان ومن الخطباء من حفظوا الدين، لكن من يريد أن يخلط الأوراق يعلم جيدا أولا أن ذلك لا يغير من الحقيقة في شيء، ولا يمكن أن يغير من رأيي. أنا شخص أؤمن بالإسلام الوسطي وسأستمر على ذلك، وقدوتي الإمام علي (ع) وسأبقى أدافع عن وقفيات الإمام الحسين (ع)، وأكتب عن العاطلين عن العمل وعن كل ما يمثل نبض الشارع بتوازن وعقل ووعي.

سنين طويلة، وأنا على موقفي رغم عشرات الحملات من التشويه لكن لم أتغير، وأثبت الزمن صحة موقفي. وقفت مع المشاركة البرلمانية وهوجمت بصور مختلفة وحذرت من كل الأزمات السياسية حبا وحفاظا على كل شاب بحريني كي لا يقع في محرقة، ويدفع الفواتير وهوجمت مرارا وتكرارا. وصوتّ ضد قانون التقاعد في 2018، واليوم عشرات المقالات كتبتها عن الأوقاف، وعن أهمية الخدمات والإسكان في سترة ورأس رمان والبديع وكل مكان، وعن قانون العقوبات، ثم تستعر الهجمات من المشوشين في فهم الحقيقة.

والشيء الذي أزعج البعض هو وقوفي مع القانون ولكن لخلط الأوراق اتخذ جانب لفظة “رجال الدين” كذريعة. أنا إذا كنت مؤمنا بشيء أطرحه بكل وضوح، وأستمر فيه، ولا يوقفني شيء طيلة هذه السنين دفاعا عما أؤمن به. أنا مع عالم الدين المثقف الواعي الوسطي المتوازن غير السياسي ولست مع رجل الدين الذي يسيس الدين لصالحه، ولو قاد هذا التسييس إلى دفع الناس فواتير سياسية.

خلط الدين بالسياسة يسبب ضرب قدسية الدين؛ لأن الناس ستتهم الدين بعد أي إخفاق وليس السياسي الذي استخدم الدين. ثم إلى اليوم لم يناقشني أحد في ذلك بمنطق علمي. وأحب أن أقول بوضوح وهذه قلتها قبل عشرين عاما إن الدين هو أن تكون إنسانيا وإنسانا، وأن تعمل على تنوير الناس بالدين الوسطي، وبالمنطق الإنساني، وأنا على يقين أن بعد سنين حتى المتطرفين الذين يحاولون خلط الأوراق في هجومهم سيكتشفون حقيقة وصوابية ما أطرح كما اكتشف كثيرون بعد 18 عاما من المقاطعة ومن الأحداث المؤلمة في 2011، وخطأ الموقف رغم أني حذرت من كل ذلك.

أقول للشباب، أحبوا عالم الدين الذي يزيدكم إيمانا ووسطية واعتدالا وإنسانية وحبا للوطن ويكون مع أرغفة الناس وأوجاع الناس. عيشوا الحياة، اقرأوا وابحثوا في الحضارات، فهذا لا يخالف الدين، ولا الإسلام. ألم يقل الحديث الشريف “اطلبوا العلم ولو في الصين”؟ اقرأوا سيرة أهل البيت (ع) بمنطق إنساني وبمنطق حضاري وبوعي وعقل وبوسطية؛ سترون أهل البيت (ع) يقودونكم إلى حيث جمال الإسلام، ووسطية الدين، وستكتشفون إبداع الحضارات الأخرى.

ارجعوا لكتابي “المسلم بين قبلة الحياة وقنبلة الموت” كتبته قبل عشر سنوات عن وسطية الإسلام، وكيف يحث الإسلام على ثقافة الحياة، واكتشاف جمال الوجود. المآتم والمساجد تصبح منارات تنوير وهدى من علماء دين وسطيين معتدلين.

ختاما أقول: هناك فرق بين عالم دين ورجل دين، ففي الشريعة الإسلامية لا يوجد أصلا مصطلح رجل دين، وهناك فرق بين عالم دين ورجل دين سياسي. وأنا لا أؤمن برجال الدين؛ لأنه مصطلح غير دقيق وغير علمي. أؤمن بعالم الدين وهذا محل اتفاق من قبل كل علماء ومراجع الدين، ولكن للأسف مشكلة كبرى إذا كان مثل هذه المسألة البسيطة في ألف باء الفقه والأصول تغيب عن الفهم، هذه مشكلة كبرى. أيها الأحبة، أنا معكم، ولنستمر في زراعة الأمل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية