العدد 4307
الخميس 30 يوليو 2020
banner
كل ممنوع مرغوب
الخميس 30 يوليو 2020

“ألف ليلة وليلة”، كتاب رائع، ترجم للإنجليزية وغيرها تحت عنوان “ليالي العرب” وهو من أمتع ما أنتجه العقل البشري في تاريخ الأدب من قصص وحكايات خرافية شاركت في إبداعها حضارات متعددة كالحضارة الهندية والفارسية والعربية، وأصبح مصنف “ألف ليلة وليلة” مصدرا للإلهام والاقتباس للعديد من الكتاب المعروفين في الشرق والغرب، خصوصا في مجال أدب الأطفال.

ومن بين الكتاب الغربيين الكبار الذين تأثروا بمصنف “ألف ليلة وليلة” الكاتب الإنجليزي “وليام شيكسبير” في مسرحيته الشهيرة “العبرة بالنهاية”، وكذلك الكاتب الإيطالي “بوكاشيو” الذي اقتبس منه في كتابه “الأيام العشرة”، والكاتب “شوسر” في قصص “كانتوبري” المعروفة، هذا إلى جانب الدراسات ورسائل الدكتوراه التي قدمت حول هذا المصنف المهم.

هذا المصنف قال عنه الأديب الكبير نجيب محفوظ إنه موسوعة الحضارة العربية الحقيقية، كما قال الدكتور طه حسين عن رسالة الدكتوراه التي قدمتها سهير القلماوي حول “ألف ليلة وليلة” إنها “من الرسائل البارعة، وتأتي براعتها من مؤلفتها ومن موضوعها”.

ورغم القيمة الأدبية الكبيرة لهذا المصنف، إلا أن هناك مجموعة متشددة من أبناء العرب يريدون أن يطبقوا أحكامهم ورؤيتهم الخاصة للدين والأخلاق على هذا المصنف وغيره من الأعمال الإبداعية من أدب وشعر، بسبب رؤيتهم السطحية وعدم قدرتهم على تذوق الأدب وفهم مراميه من الأساس.

منذ عدة سنوات قامت مجموعة من المحامين التابعين إلى الجماعات المتشددة، أو المدفوعين بالرغبة في الشهرة برفع دعوى قضائية في إحدى العواصم العربية من أجل وقف طبع هذا المصنف ومصادرته، بحجة أن به عبارات خادشة للحياء. هؤلاء المحامون يعلمون جيدا أن هناك أحكاما قضائية سابقة قضت بطبع الكتاب وتداوله، ويعلمون أن نجاحهم في منع طبع الكتاب غير وارد، لكن الرغبة في الشهرة وتداول أسمائهم في وسائل الإعلام، نتيجة اصطدامهم بالمفكرين وأهل الأدب، هي التي دفعتهم إلى الإقدام على رفع دعواهم الهادفة إلى مخاطبة عواطف الشباب المتدين.

 

الخلاصة أن المتشددين من أبناء أمتنا لا يعرفون قيمة الأدب، وليسوا مؤهلين للحكم عليه، ويعتقدون أن حربهم على الأعمال الإبداعية ستوقف تداولها بين الناس، ناسين أن أعمالا أدبية كثيرة تحقق لها الانتشار والذيوع بسبب محاربتها من قبل بعض الفئات، أو منعها من قبل الحكومات. فرواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ عرفها الناس بمن فيهم من لا يقرأون الأدب، بسبب منعها، وقام الناس بتصويرها خفية على آلات التصوير وتداولوها، هذا بالطبع قبل أن يأتينا الإنترنت لينشر كل شيء رغم أنف الجميع، فهل دعوى قضائية ستوقف قراءة الناس لكتاب طبعت منه آلاف النسخ من قبل؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .