العدد 4326
الثلاثاء 18 أغسطس 2020
banner
صاحبُك ساحبُك
الثلاثاء 18 أغسطس 2020

لا شك في أن الصديق الحق والصاحب الوفي في هذا العصر الذي نعيش فيه أصبح عملة نادرة الوجود، ولو أنك سألت أحد المقربين إليك من زملاء عمل أو أصدقاء دراسة هل أصبح الصديق كما كان في الماضي؟ لأجابك بالنفي القاطع.. "لا"، فقد اختلفت معايير ومقاييس الصداقة في عصرنا الراهن.


قال عدي بن ثابت: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه.. فكل قرين بالمقارن يقتدي.

ولكننا نرى الأصدقاء وخصوصا قرناء السوء من العوامل المساعدة على تعاطي المخدرات وانتشارها بين الأصحاب، وهناك فئة تتأثر بالقرين، ولا يزال القرين يضغط على زملائه حتى يوقعهم في حبائل الرذيلة، ويغرقهم في مستنقع الشهوات وتناول الخمور والمخدرات.


ويندفع بعض الشباب والفتيات نتيجة الفراغ الروحي والخواء النفسي ليجربوا هذه الممنوعات بحثا عن لذة عابرة وتهويمات سابحة، وتدفعهم إلى ذلك عوامل عديدة من بينها البحث عن المجهول، وتجربة الجديد، وحب المغامرة، ويلعب الصديق والصاحب أو الصاحبة دوراً كبيراً في التأثير على اتجاه الفرد نحو تعاطي المخدرات.

إن الشباب يحصلون على المخدرات من أصدقاء لهم في مستوى سنهم، أما الفتيات فيحصلن على المخدرات عن طريق صديقاتهن من طالبات الدراسة أو من سائقيهن الذين لا يتورع بعضهم عن نشر الشرور في المجتمع.


وهناك ظاهرة التجمع والشلل بين الشباب والفتيات، وهي من الظواهر السائدة في المجتمعات العربية، فتلاحظ تجمع الشباب في الشوارع والأزقة والمقاهي والديوانيات والاستراحات، خصوصا في الأحياء القديمة، وغيرها من الرحلات الأسبوعية، والتجمع الدوري في بيوت أحد الأصدقاء والسهرات أثناء الإجازات الرسمية أو الأسبوعية أو السنوية، وهذه التجمعات كثيراً ما تؤثر على سلوك الأفراد سواء بالإيجاب أو السلب، فالمعروف أن استحسان الجماعة من أقوى العوامل المؤثرة على سلوك الشباب أو الفتيات خصوصا في فترة المراهقة.


وفي الدراسة التي قمت بإعدادها عن مرض الإدمان بمدينة الدمام ومرض الإدمان بمدينة دبي، تبين أن "الأصدقاء" يحتلون المرتبة الأولى بنسبة 71,4 % لكيفية الحصول على المخدر، وارتفاع نسبة الأصدقاء في الترويج ومصادر التوفير، وتبين وجود بعض الحالات الشاذة بما يعرف بـ "البويات" كمصدر في بعض المدارس.


ويتضح لنا جلياً أن أكثر فترة يتجمع الشباب والفتيات فيها هي فترة الدراسة، لذلك تصبح المدرسة عاملاً أو مجالاً خصباً للصحبة السيئة، ومثال ذلك نذكر دراسة ميدانية أجريت على طلبة المدارس في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي حول عادة استنشاق الصمغ والمذيبات التي انتشرت بين تلاميذ المدارس، حيث وجد أن الكثير من متناولي هذه السموم تعرفوا إلى هذه المواد من زملاء لهم في المدرسة، حيث ذكرت الدراسة أنه تم ضبط أحد التلاميذ وهو يشم الغراء في ملعب المدرسة على غير العادة.


فالمرء يتكيف سلوكه مع المجموعة التي ينتمي إليها، لذا على المرء أن يختار من الأصحاب أحسنهم خلقاً، وكذلك على الأسرة أن تشجع أبناءها على الصحبة الخيرة التي تعود عليهم بالخير، ويجب علينا أن نحذر الأسرة من التوجيه المباشر في ذلك، لأن الإنسان طُبع على حب الممنوع. ومما لا شك فيه أن الدراسات والأبحاث المعاصرة الحديثة أشارت إلى أن الجيل المعاصر يتأثر بأقرانه أكثر من تأثره بأسرته أو معلميه أو أي شيء آخر، وهذا يعني أنه تقع على عاتقنا تنمية روح القدوة الحسنة بين الأقران، لأنهم هم القدوة الحقيقية سواء حسنت أو ساءت.


ومن ثم نجد أن ما يساعد على انحراف الشاب أو الفتاة هو عدم تقبل المجتمع له وصعوبة انخراطه وذوبانه مع الأسوياء، حتى الأهل نراهم قد اتخذوا موقفاً سلبياً أحياناً، حفاظاً على سمعتهم ومكانتهم الاجتماعية بين الناس ووسط محبيهم وأصدقائهم وأهليهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .