العدد 4328
الخميس 20 أغسطس 2020
banner
“اللي ما له أول... ما له تالي”
الخميس 20 أغسطس 2020

العنوان أعلاه دلالة كافية على دحض كل معالم الافتتان بالنموذج التغريبي للثقافة العربية، فاليوم مع تعاظم النظرة الانبهارية بكل ما هو قادمٌ من الغرب، بات لزاماً على المثقفين العرب والنخبة الفكرية تمتين أواصر الجذور الثقافية للعرب والالتفاف حول كل ما هو غير قابل للتجديد، وهذا بطبيعة الحال لن يتم بمعزل عن الاعتداد بالموروث الشعبي، وقديما قيل “إذا أردت أن تحكم على حضارة وطن، فانظر إلى مدى تعلق شعبه بتراثه”.

إن الانفتاح على الآخر والتعطش لفهم متغيراته “الجوانية”، لا يعني البتة التنازل عن هويتنا العربية الضاربة أطنابها في عمق التاريخ، ولا بأس بين الفينة والأخرى بإطلالة على ما هو آتٍ من الغرب من منطلق متطلبات العولمة، شريطة الحفاظ على تراثنا وإرثنا العربي النفيس وعدم المساس بمكوناته، أو التلاعب بمقدراته.

ولا ننسى في هذا المقام انشداه الغرب وعجزه عن مجاراة العرب في كل ما له صلة بالمنظومة القيمية والأخلاقية والروحانيات، والتي لا يمكن فصلها هي الأخرى عن الموروثات الشعبية والتراثية لكل بلد على حدة، باعتبارها مخزوناً ثقافياً وحضارياً يعبر عن قيمة وأصالة أهله.

واستطاع الكاتب توفيق الحكيم – رحمه الله - أن يوجز ذلك العجز أو التفاوت في فهم الآخر والتصادم معه في أمور صغيرة، قد تجعل التقارب مستحيلاً، إذ عبر في روايته الشهيرة “عصفور من الشرق” عن مدى التباين في مفهوم الحب بين الرجل والمرأة في الشرق عنه في الغرب، حيث الشرقي الذي رمز إليه الكاتب بالفتى (محسن)، شاب رومانسي يعيش الرومانسية بحذافيرها ويستمتع بها، ويتعامل مع محبوبته بشكل مفرط في الخيال، أما صديقه الغربي فيتعامل مع محبوبته من خلال مفهومه الخاص للحب من حيث العلاقة الجسدية.

ولقد أردت من خلال ذلك المثال الأدبي، تبيان أن الانغماس في الآخر إلى حد الذوبان مسألة يستعصي هضمها لدى العقل البشري، بل هي مستحيلة، لأن الإنسان نتاج بيئته وتربيته، وإن انتقل بجسده جغرافياً إلى أماكن أخرى من العالم، إلا أن عاداته وتقاليده الأصيلة تبقى راسخة في عقله الباطن... “المقال كاملا في الموقع الإلكتروني”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية