العدد 4335
الخميس 27 أغسطس 2020
banner
عمود أكاديمي د. باقر النجار
د. باقر النجار
هيغل آخر الفلاسفة الكبار
الخميس 27 أغسطس 2020

يمثل جورج فيلهام هيغل أحد فلاسفة الكبار في العالم والذي مثلت أفكاره ركنا أساسيا من أركان الفلسفة المثالية. وهو بحق يمثل آخر الفلاسفة العظام من أصحاب المشاريع الفكرية الكبرى. أو كما يقول البعض، فأن هيغل “كان آخر الفلاسفة الذين ساهموا في بناء النظام الفلسفي في العصر الحديث”.

ولد هيغل في 27 أغسطس 1770 لعائلة بروسية في مدينة شتونغارت، وهو ينتمي لعائلة متوسطة الدخل. وقد مرت عليه منذ صغره أيام عصيبة شكلت جزءا من شخصيته الانطوائية. إذ فقد أمه وهو في سن الحادية عشرة وقتل أخوه في الحرب، وأصيبت أخته التي ارتبط بها ارتباطا قويا بالجنون.

درس هيغل في كلية اللاهوت بجامعة توبنغن، وهي مرحلة شكلت جزءا من كتاباته الأولى والتي لم ير بعضها النور في حياته مثل كتاب “حياة اليسوع”، وكتاب “إيجابيات الدين المسيحي”، وكتاب “شذرات عن الدين والحب” وكتاب “روح المسيحية ومصيرها”. بل إن دراسته الأولى كانت لغاية تهيئته ليكون مرشدا دينيا، إلا أن الصدفة قد تكون نقلته لعالم الفلسفة ودراسة الواقع، إذ مثل انتقاله للعمل كمحاضر في “جامعة المدينة” والتي استمر العمل فيها دون أجر لبعض الوقت، حيث ساعده عمله في الجامعة على إصدار كتابه” الفارق بين فخته وسيلينغ في النظام الفلسفي”، كما اشترك مع صديقه شيلينغ في إصدار دورية تحت مسمى “مجلة النقد الفلسفي” لم تستمر طويلا.

لقد استطاع هيغل بناء نظام فلسفي متقدم دمج من خلاله بين التاريخ والأخلاق والدين معتمدا في ذلك على فهمه لمثالية ايمانويل كانط والآراء السياسية لروشو.

وتشير بعض الكتابات إلى أن هيغل كان ثوريا في شبابه ومحافظا في كهولته، إلا أن جاك دونت، وهو المتخصص في الدراسات الهيغلية، ووفق بعض الوثائق التي في حوزته، يؤكد على أن هيغل قد بقي ملتزما لمبادئه الليبرالية الأولى التي تبناها في مرحلة شبابه، رغم انتمائه إلى أسرة بروتستانتية لوثرية. فدراسته في مدرسة اللاهوت وكتاباته الأولى عن الدين جعلت من البعض يعتقد من أن هذه المرحلة قد شكلت توجهاته الفكرية والفلسفية. بل إن البعض يعتقد أن انتماءه للمذهب البروتستانتي قد شكل جزءا من شخصيته الاحتجاجية التي دفعته لأن يخوض جولات من السجال الفكري ضد المذهب الكاثوليكي الذي يعتقد أنه قد تماهى كثيرا مع السياق السياسي القائم والذي كان يوصف بكونه سياقا سياسيا سلطويا.

من الناحية الأخرى، فإن هناك من يعتقد أن إغراق هيغل في مثاليته جعلته في حالة من القطيعة مع الواقع المحسوس، وهذا يتناقض مع أطروحته القائلة “إن أي فكر قد لا يكون ذا جدوى إذا لم تمثل أدواته البحثية معينا على تفسير الواقع وتوضيحه”.

وقد أثرت مجموعة من الأحداث في عصره في صياغة الكثير من أفكاره. إذ ساهمت الثورة الفرنسية في صياغة أفكاره من مفهوم الحرية. إذ كتب ممتدحا الثورة الفرنسية بعد أربعة عقود من اندلاعها بالقول..”كانت إشراقة رائعة للشمس، كل العقول المفكرة رحبت بها. وطافت على الجميع أحاسيس جميلة عن ذلك الزمان..”

أما الحدث الآخر غير السياسي الذي أثر فيه، فهي “الثورة الفلسفية الكانتية” والتي سبقت الثورة الفرنسية ببعض الوقت والتي مثلت أحد الروافد الفكرية المهمة في عصر التنوير... وكانت أهميتها بالنسبة له هي تأكيدها على قدرة الفكر على أحداث تغيرات أساسية في العالم، وهي أفكار كما يبدو قد صاغة فيما بعد الكثير من السياقات السياسية والفكرية والاجتماعية في المجتمعات الغربية.

وختاما فلابد لنا من تأكيد أن المقولة الهيغلية قد مثلت ومازالت تمثل ركنا أساسيا في الفكر العالمي المعاصر وهي أطروحة قد تم تطورها فيما بعد على يد الكثير من المدارس الفكرية الحديثة والمعاصرة، وهي الفكرة القائمة على قدرة البنى الفكرية والثقافية على إحداث تغيرات أساسية في البنى الاقتصادية والسياسية، وهي تغيرات باتت تشكل عالمنا المعاصر بكل مواقعه الجغرافية والسياسية.

ويشارك في كتابة هذا الملف احتفاء بعيد ميلاد جورج هيغل، والذي يصادف يوم السابع والعشرين من شهر أغسطس الحالي مجموعة من الإخوة البحرينيين من المهتمين بالجوانب الفلسفية والفكرية والسياسية والثقافية في الفكر الهيغلي...

 

المصادر.

1 - https:/‏‏/‏‏en.wikipedia.org/‏‏wiki/‏‏Georg_Wilhelm_Friedrich_Hegel

2 - هاشم صالح، هيغل في آخر سيرة ذاتية له، الحوار المتمدن، 24 يونيه 2002.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية