العدد 4344
السبت 05 سبتمبر 2020
banner
قطب ونجيب محفوظ
السبت 05 سبتمبر 2020

كثيرة هي المقالات والكتب التي اتخذت من عبارة “الطريق إلى نوبل بدأ من الحارة” عنواناً لها بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل 1988؛ لكن لعل الكثيرين لا يعلمون أن منظّر “الإخوان المسلمين” سيد قطب هو أول من اكتشف في الأربعينيات إبداعات محفوظ الروائية الأولى، بينما كانت الصحافة تتجاهلها؛ فهل يصح القول إن الطريق إلى نوبل بدأ من سيد قطب؟ لم يكن الرجل حينها كما انتهى إليه بتلك النهاية المأساوية حين أعدم لتورطه في تنظيم إخواني إرهابي جديد بعد عام من الإفراج عنه 1964، بل كان كاتباً منفتحاً على مباهج الحياة ووسطياً إسلامياً معتدلاً، وكان مغرماً بكتابات طه حسين وعباس العقاد وغيرهما من كبار كتّاب مصر المستنيرين. لكن بعد عودته من بعثة لأميركا عشية قيام ثورة يوليو التي أيّدها بقوة لم يجد له مكاناً فيها كما كان يطمح، فانضم للإخوان وتورط في محاولة اغتيال عبدالناصر 1954.

ورغم الخلاف الجذري بين أفكار قطب ومحفوظ، لم ينس الأخير له دوره في تسليط الضوء على أعماله الأولى؛ فقرر زيارته في منزله بحلوان إثر الإفراج عنه، وعن ذلك يقول محفوظ: “لقد رأيت أمامي إنساناً آخر حاد الفكر متطرف الرأي ويرى أن المجتمع عاد إلى الجاهلية الأولى وأنه مجتمع كافر لابد من تقويمه بتطبيق شرع الله انطلاقاً من فكرة الحاكمية، وسمعت منه آراءه دون الدخول معه في جدل أو نقاش حولها، فماذا يفيد الجدل مع رجل وصل إلى تلك المرحلة من الاعتقاد المتعصب”، وأشار إلى أنه اُصيب بـ “صدمة شديدة وهزة عنيفة” عندما سمع بتنفيذ حكم الإعدام فيه بعد عامين فقط من هذا اللقاء بتهمة تورطه في إعادة تنظيم الإخوان ببرنامج إرهابي جديد. ليس قطب الحالة الوحيدة في الارتداد من الفكر المستنير إلى الفكر الظلامي المتعصب، فعالمنا العربي يعج بمئات الحالات من كبار المثقفين وبينهم علمانيون، ما يدعو لدراسات تكشف أسبابها الاجتماعية والسياسية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .