العدد 4347
الثلاثاء 08 سبتمبر 2020
banner
قرار اختيار التخصص الدراسي والصحة المستدامة
الثلاثاء 08 سبتمبر 2020

أصبح تأثير اختيار التخصص الدراسي والمهني على الصحة التكاملية حقيقة ظاهرة للعيان، وتلك الحقيقة أمر حتمي ولكنه مازال موجودا خارج إطار العقل الجمعي، وليست هناك ملامة على السائل في فحوى تلك الحقيقة العلمية، والتي هي كل شيء في حياة الإنسان والإنسانية جمعاء، وحتى يتسنى لنا التعمّق في شرح تلك الحقيقة، علينا جميعا أن نتفق على سبب خلق الإنسان، والذي هو بعبارة أخرى "خليفة الله في الأرض" المسيّر بمسؤولية التعمير لا التخريب، أي أنّ الإنسان مسيّر بواجب التعمير لا التخريب، إذا السؤال هنا، لماذا الكثير من الناس يخرّبون ولا يعمّرون دون دراية منهم، وأول ما يدمّرون هو أنفسهم! فلنفنّد تلك المفاهيم بالتأمّل في مشوار أبناء إنسان اليوم.

فأبناؤنا بعد تخرجهم من المرحلة الثانوية من كل سنة (منذ سنين طويلة)، يتحيّرون ويتردّدون في اختيار تخصصهم الدراسي والمهني، كل سنة ومنذ سنين! تنساق الغالبية العظمى منهم إلى التخصص والمسار العملي الذي يختاره لهم أولياء الأمور ومن حولهم من "النصّاح والزهّاد" البعيدين عن ذواتهم! وهم بهذا، أي الأبناء ومن حولهم لا يفقهون مدى أهمية وخطورة ذلك الاختيار على حياتهم بأكملها، ولقد جبلنا كذلك بعقلنا الجمعي على اعتبار بعض من تخصصات الحياة القيّمة هواية ليس إلاّ! على سبيل المثال، يولد الابن وفي قلبه عشق الموسيقى، ولكن عدم تحقيق أحد والديه حلم حياته في المحاماة لسبب ما، يجعل الأب يختار لابنه تلك المهنة، بل يصر على ذلك الاختيار، ذلك أنّ في اعتقاد الأب "أن ابنه امتداد لجيناته.. أي امتداد له"، وعلى ابنه واجب الطاعة، باعتبار أن مهنة المحاماة مشرّفة ولها مكانة اجتماعية ومردود مادّي وفير، أما الموسيقى فهي هواية لا بأس من ممارستها متى ما تسنّى لابنه الوقت! والواضح للعيان وبالتجربة العلمية العملية، هو ما يحدث بعد أن يتخرّج الابن ويصبح محاميا تلبية لرغبة أبيه.. ومحاميا مرموقا كذلك، هو عدم سعادته بما يقدم، بل وشعوره بالتوتر من القضايا وفيما يتعلق بالمهنة من التعامل مع العملاء والموكلين، بل إن عدم السعادة ومحاولة التأقلم بتلك المهنة بلا هدف واضح، يجعلانه في حالة صراع داخلي وعيش في ألم الانفصال عن الذات... فالجسد الآلي يمارس المحاماة، والروح تعشق الموسيقى، وبهذا تنفكّ وصلة التناغم الكهرومغناطيسي (على تردد 0.1 هرتز) بين القلب العاشق للموسيقى، عن الدماغ المسيطر على الجسد، لتشغيل برنامج المحاماة الدخيل. ويا لخطورة فك وصلة القلب عن الدماغ وأثرها على الجسد! لأن تلك الوصلة سر اتزان بيئة الجسم الداخلية، ذلك أن القلب جهاز اتصال الجسم مع الكون، وكذلك هو جهاز اتصال الكون مع الجسم، وبالنتيجة، فإن تناغم الجسم مع الكون يكون من خلال ضبط شفرة القلب (كالموجة الأثيرية) مع حقل المعلومات الكونية اللا مرئية والتي ينبثق منها كل شيء، والتي هنا معنيّة برسالة ذلك الإنسان، ومتى ما تناغم القلب مع الكون، فإنه يتناغم مع الدماغ بتخيّل الهدف، وذلك هو سر التفكير الذي به يلتقط القلب الأفكار الكائنة في الكون الفسيح، هنا نبدأ بالتفكير ومن ثم التفكير فيما يدور حولنا، وبهذا التفكير يكون الاتزان، وهو ما ينعكس على الجسم بكفاءة عمل الخلايا، وبالتالي كفاءة عمل أجهزة الجسم التي تتكامل في عملها لصحة الجسم المستدامة.

لقد حان الوقت لعمل النقلة النوعية في مقاييس اختيار التخصص الدراسي والمهني من منطلق ما تنبض به قلوب أبنائنا الأعزّاء من قيمة عليا ذاتية تبني "ولا تخرّب بالعمل الجبري"، لأنّ القيمة العليا تطلق عنان إبداعهم وسعادتهم، فيفعّلون دورهم في بناء المستقبل، ويحققون ما يستحقّون من الصحة والتوازن في العلاقات والحياة، دعوة إلى التأمل في الذات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية