العدد 4351
السبت 12 سبتمبر 2020
banner
روشتة ماكرون
السبت 12 سبتمبر 2020

كان اندلاع انتفاضة تشرين اللبنانية تعبيراً عن انفجار شعبي لتدهور الأحوال المعيشية لمعظم اللبنانيين، ورغم ما رافقها من ثغرات في سوء التنظيم وبعض أعمال الفوضى إلا أنها أربكت الحكومة السابقة وطبقتها السياسية وأجبرتها على الاستقالة وعرّت بقوة انتهازية بعض الأحزاب التي اتهمت أميركا وسفارتها بأنها تقف وراءها كذريعة لخذلانها وتخريبها؛ وكان لإيران دور في ذلك من خلال أداتها الممثلة في “حزب الله”، ولأن الانتفاضة أضحت رقماً صعباً على الساحة السياسية لا يمكن تجاوزه خاطبها في يناير رئيس الحكومة السابق حسان دياب مقراً بمشروعيتها: “كان الصوت مدوياً ضد الفساد وهادراً على المفسدين، وفي تلك اللحظة استعاد اللبنانيون المبادرة؛ بل استعادوا موقعهم كمصدر للسلطات”، ومع أن الطبقة السياسية حينذاك تنفست الصعداء بفضل كورونا، لكن الانفجار الاجتماعي ظل تحت الرماد وعبر عن نفسه بتململات واحتجاجات متواصلة حتى في ظل قيود احترازات كورونا، فاضطر الرجل للاستقالة على وقع انفجار المرفأ بموازاة الانفجار الاجتماعي المكتوم مؤقتاً والوشيك على الانفجار مجدداً.

هنا هبط الرئيس الفرنسي ماكرون على بيروت لمواساة المدينة المنكوبة والبلد؛ وتلمس إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأزمة التي تتخبط فيها الطبقة السياسية ذات النفوذ في تشكيل الحكومات المتعاقبة ما اضطر دياب للاستقالة وقيام الطبقة ذاتها بتكليف مصطفى الأديب بتشكيل حكومة جديدة. أما في زيارته الأخيرة مطلع الشهر والمصادفة مرور قرن على انتداب بلده المستعمِر على لبنان، فقد جاءها وهي في فراغ دستوري وكأنه “ممثل الانتداب” حاملاً روشتة إصلاحات زمنية عاجلة معروضة على طبقة التشكيلات: أسبوعان لتشكيل الحكومة، أسبوعان لبرنامجها الإصلاحي، بعد أسبوعين يعقد مؤتمر المانحين.

المصيبة في روشتة كهذه لا تكمن في هذه الشروط الابتزازية ببرنامج زمني ذي بضعة أسابيع لحل أزمة شديدة التعقيد بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والإقليمية والدولية، والأهم عميقة الجذور اجتماعيا؛ بل وبإغفال هذا الجانب والذي عبرت عنه قوى التغيير وانتفاضة تشرين التي اعترف دياب بمشروعيتها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .