العدد 4352
الأحد 13 سبتمبر 2020
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
الشيطان يكمن في التفاصيل!
الأحد 13 سبتمبر 2020

كل الحوادث مبدأها من النظر... ومعظم النار من مستصغر الشرر، كم نظرة فتكت في قلب صاحبها... فتك السهام بلا قوس ولا وتر، والمرء مادام ذا عين يقلبها... في أعين الغيد موقوف على الخطر.

لا تستهن بالتفاصيل الصغيرة، ولا تتهاون بالأمور الثانوية وتعتبرها تافهة وهامشية، فمن أصغر الشرر تشتعل الحرائق الكبيرة التي قد تُدمر أوطانا وتشرد شعوبا، كثيرٌ من الناس لا يلتفتون للأشياء العابرة أمامهم ويتركونها للقدر بحسب اعتقادهم، ثم يفاجأون بالزلزال فيعتبرون ذلك مصادفة، مع أن تفاصيل ذلك الحدث مرَّت أمامهم وشاهدوها ولم يعيروها انتباهًا.

لو تأملنا مشاهد تمر أمامنا كلّ ساعة تمضي، سنرى مفارقات غير منطقية في الحياة العربية بالذات، يساريون يتحالفون مع ولائيين، أصوليون يتفقون مع علمانيين، مثقفون يؤمنون بالسحر والشعوذة، مستقلون ينطقون بلسان رسميين... مفارقات تخلط أوراق المجتمعات وتفرز تداعيات تلوث الحياة وتعرقل تقدم الإنسان، لذلك نرى الوعي متدنيا لأننا لا نهتم بالتفاصيل ونتركها للآخرين الذين يشتغلون عليها ويحيلونها كوارث تمس حياتنا، فكم إنسانا رأى الخطأ يضرب بعينه بمكانٍ ما وردد داخله “هذا لا يعنيني”؟ وهذا الذي لا يعنيه ولا يهمهُ هو بالحقيقة صلب النكبة التي يدفع ثمنها فيما بعد هو وغيره، لذلك نحن بحاجة لتنشيط العقل قبل القلب وتحفيز التفكير والتأمل وعدم الانزلاق إلى النسيان.

لماذا النسيان بهذه الخطورة؟ لأنه ببساطة يعمينا عن تعلم الدروس، انظروا كيف تحولت تركيا من دولة علمانية مسالمة تحترم جيرانها وتتعامل مع الجميع بحضاريةٍ إلى دولة إخوانية تهدد سلامة الجميع! انظروا كيف صارت إحدى دول مجلس التعاون من دولة عضيدة إلى دولة مهددة لسلامة المنطقة؟

مشكلتنا بالبداية أننا لا نهتم بالتفاصيل ولا نتأمل ونرصد التغيرات الصغيرة بسلوك الآخرين بالحوادث التي تقع، حتى إذا ما اتسعت رقعة الخطر، انتفضنا وشعرنا بالتهديد، حياتنا - أفرادا ومؤسسات ودولا - مبنية على هذا الأساس من عدم المبالاة وهذا هو مكمن الخطر الحقيقي الذي مازال قائمًا ويهدد مصيرنا ويحد من تقدمنا.

عِبارات “هذا لا يعنيني” وهذا تفصيل وهذا فوق طاقتي، ودع الأمر لصاحب الأمر، حتى تحوّلنا إلى مخلوقات صماء بكماء متراخية في عصرٍ إيقاعه السرعة والإنجاز والإبداع وتحمل المسؤولية، خلط الأوراق بحياتنا العربية سياسيًا وثقافيًا ودينيًا، سبب هذا الوضع العربي الراهن، كأننا فجوة انعدام الوزن.

تنويرة: إذا أردت السيطرة على شعبٍ ازرع بصفوفه الجهلة واجعلهم يقودونه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية