العدد 4354
الثلاثاء 15 سبتمبر 2020
banner
أثر القانون في دعم الاقتصاد
الثلاثاء 15 سبتمبر 2020

يلعب القانون، والأحكام القضائية الصادرة لتنفيذه، دورًا كبيرًا في تنمية واستقرار المجتمعات وفي تنظيم الموارد الاقتصادية والسياسية وغيره من أحوال الناس. وظل هذا الدور مستمرًّا دون انقطاع، ولكن هناك لحظات فاصلة كان فيها دور القانون والمحاكم أساسيًّا، ومن دون شك، سيذكر التاريخ هذه اللحظات التي ستظل تاريخية لما لها من تبعات ستبقى ذات تأثير.

في هذا، نشير إلى فترة تعرض دول عدة في”منطقة اليورو” لنكسات اقتصادية بسبب أزمة الديون التي ألقت بظلالها على الجميع. وظلت دول الاتحاد الأوربي في استنفار لمساعدة الدول المنتكسة للخروج من الضائقة. ولتحقيق الغرض بحثت “المفوضية الأوربية” في اتخاذ إجراءات لتطبيقها. ومنها، إنشاء اتحاد للمصارف الأوربية، تعيين مراقب عام للبنوك في منطقة اليورو، إصدار تشريعات أهمها قانون “تنظيم آلية الاستقرار الأوربي” وقانون “صندوق إغاثة دول منطقة اليورو التي تعاني من أزمة الديون”.

وتم اقتراح بدائل ضمنها إصدار هذه القوانين، ووافقت الدول الأوربية، ولكن الوضع تعثر في ألمانيا لأن العديد من الأحزاب اعترضت على إصدار القوانين. ورفعت الأمر للمحكمة الدستورية الألمانية استنادا إلى قناعتها بأن إصدار هذه القوانين يخالف الدستور الألماني. وبالرغم من اتفاق حكومات الاتحاد الأوربي على إصدار القوانين ولكن هذه الخطط ظلت مجمدة بسبب الاعتراض في ألمانيا لمخالفتها للدستور. ولكن الحكومة الألمانية تقدمت بآرائها وحججها القانونية للمحكمة الدستورية، وظلت أنفاس أوربا مكتومة لحين صدور قرار المحكمة الدستورية التي قررت أن إصدار هذه القوانين لا يخالف الدستور الألماني. وهذا كان قرارا مدويا من المحكمة الدستورية ودخل هذا القرار التاريخ وأدخل ألمانيا في التاريخ.

تأتي أهمية قرار المحكمة الدستورية من عدة نواحي أولها تأكيد هوية ألمانيا كجزء من أوربا المتحدة وهذا تفسير متطور للدستور بما يتماشي مع روح العصر الاتحادي والابتعاد عن النزعة الألمانية القديمة. ومن الناحية الأخرى فإن أهمية القرار تأتي في أنه منح القوة الدافعة لدعم الدول المحتاجة بل في استمرار بقاء ووجود الوحدة الأوربية. وهذا الوضع الحساس ما كان ليتم لولا قرار المحكمة الدستورية وتفسيرها للدستور الألماني بأن روحه ومفاهيمه وتطلعاته تقوم على مبادئ الوحدة الأوربية ويجب استمرار ألمانيا في هذا الاتجاه وتنفيذ كل السياسات والتشريعات وفق هذه المفاهيم.

المستشارة الألمانية بعد صدور القرار قالت “إن هذا يوم عظيم لألمانيا وهو يوم عظيم لأوربا” وكذلك أشادت الحكومات والبورصات وأسواق المال بهذا القرار ووصفته بأنه القرار القانوني “الدستوري” المنقذ للاتحاد الأوربي والحاسم لبقاء منطقة اليورو، بل إن بعض الجهات قالت إن الاتحاد الأوربي ولد من جديد وبشهادة ميلاد ممهورة بتوقيع القضاة الثمانية بالمحكمة الدستورية الألمانية مما يقود إلى استمرار الوحدة الأوربية بمفاهيم جديدة تدعم اقتصاد العالم في جميع اتجاهاته شرقيها وغربيها. وهكذا، كلمة القانون.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية