العدد 4379
السبت 10 أكتوبر 2020
banner
شبابنا والإبداع الروائي
السبت 10 أكتوبر 2020

مخطئ من يظن أنّ بحار الأدب والشعر باتت شحيحة، فالأكيد أنها لا تزال ثرية وواعدة ومغرية لاقتحامها، الموهوبون في كل مناحي الفكر والإبداع في مملكتنا يؤكدون حضورهم عبر مجالات الإبداع المتعددة يوما بعد آخر ويملأون سماواتنا بالمدهش في حقول الفن والإبداع.

في الأيام الفائتة فاجأنا أحد الروائيين الشباب، وهو ماهر عباس، بعمل روائي جميل حمل عنوان “العربانة”، عنوان الرواية يحمل دلالة رمزية بوصفه متجذرا في الذاكرة البحرينية كون “العربانة” وسيلة للرزق لمن هم في أسفل السلم الاجتماعي ممن ينتمون للطبقة الفقيرة، خصوصا لمن تتراوح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشرة، وعبر عمله الأول جمع ماهر عباس بين الموهبة والاجتهاد، وأعتقد أنه لا يمكن الفصل بينهما لمن يقتحم الكتابة الروائية، فالموهبة وحدها لا تكفي إذا لم يسندها الاجتهاد إضافة إلى القراءة المعمقة والاطلاع الواسع، وأعتقد أن هذا توفر عليه الكاتب.

من يسبر غور العمل الروائي “العربانة” بوسعه اعتبارها وثيقة اجتماعية قبل أن تكون عملا روائيا.. إنها أشبه بالسيرة الذاتية، ذلك أن الكاتب اعتمد سرد التفاصيل بنمط اليوميات، ووثق عبرها حياة إنسان القرية بهمومه وآلامه ومكابداته وظروف عيشه القاسية إلى أبعد الحدود، كما عالج الروائي حياة البطل عباس منذ نشأته الأولى في ظل أسرة مفككة حيث الأب المدمن والأم التي تنهض بجميع أعباء الأسرة. اعتمد الروائي ضمير المتكلم وهو الأسلوب الذي ينتهجه كتّاب السير الذاتية، بيد أنه في ذات الوقت استنطق الضمائر الأخرى كالأم والجدة والخال.

ورغم أنّ الرواية تبدو للوهلة الأولى في غاية البساطة، إلا أنّ الذي يمعن النظر في تفاصيلها يجد أنها تنطوي على أبعاد متعددة، حيث مزج الواقع بالخيال بما يسمى بمكر الخيال الروائي.. السرد في غاية المتعة والتشويق لشاب مكافح لم يستسلم لقدره ولعل هذا وحده كافيا ليجعل من العمل متميزا ويحقق الهدف المرجو من كتابة الرواية، واستطاع الروائي ماهر عباس بفنية عالية أن يجبر القارئ على مشاركته معاناته وحزنه وانتصاراته وهزائمه وكفاحه المرير من أجل لقمة العيش، ويبقى القول إنّ الرواية جديرة بالقراءة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .