العدد 4385
الجمعة 16 أكتوبر 2020
banner
الكبار باقون باختلاف مشاربهم ومدارسهم
الجمعة 16 أكتوبر 2020

دار حديث بيني وبين فنان تشكيلي صديق، إذ كان يشكو حسب رأيه من الدخلاء على الفن الذين تمددوا كالأخطبوط في الساحة الفنية وأصبحوا يتحكمون في كل شيء، “لم يبين لي طبيعة التحكم”، لكنه كان يلمح لمحاولات لطمس تاريخ الكبار وإرسال أعمالهم إلى المقابر كونهم من العصر العتيق أو كالطيور المحنطة.

للأسف هناك حقيقة غائبة عن كل من يحاول إبعاد الكبار والرواد بمختلف الطرق، فبالنسبة لمن يعمل في حقل الفن أو اللغة، من الصعب عليه، بل من المحال، أن يكنس كل أسس الماضي وجذوره التي يرتكز عليها حاضره. المنهج في الأبحاث العلمية ينحو دائما لامتصاص الحاضر متخلصا منه دون ارتباط وثيق بالماضي، لكن الحال لیس كذلك بالنسبة للفنون واللغة، فبعض الفنون كالعمارة والخزف مثلا تفقد وظيفتها مع الزمن وتبقى قيمتها الجمالية كما هي، لكن هناك ما يبقى جديدا في إطاره الكامل كقصيدة من الشعر أو صورة أو تمثال.

المعابد القديمة بقيت كأطلال يضيف إليها عامل الزمن الكثير، لكن الشعر والدراما والفلسفة القديمة والفن لم يعد خرائب، فأرسطو، مازال يحدد الفكر الحديث لحد ما، وأبيات الإلياذة مازالت تهزنا كما هزت الرجل اليوناني القديم، وتماثیل “نفرتيتي” الناقصة مازالت تنبض بالحياة، فمن مميزات الفن التعبير عن الأفكار في أشكال أبدية، عالم امرؤ القيس وليناردو وبتهوفن مازال يعيش بيننا ويحدد المفردات التي نستخدمها في خلقنا الفني، الحضارة المصرية القديمة، الحضارة اليونانية، القرون الوسطى بالحضارة الإسلامية، روما في القرن السادس عشر، فرنسا في القرن الثامن والتاسع عشر كلها وغيرها تشكل دون أن نحس وجود الفنان الحقيقي ووضعه الراهن.

الكبار باقون باختلاف مشاربهم ومدارسهم وتوجهاتهم، وعلى “الصغار” تناول أقراص النوم لأن جسمهم ضعيف لا يقوى على التحمل ومقارعة الكبار، ومن الصعب جدا اقتلاعهم من أرضهم وأخذ مكانهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .