الفقيد الراحل نموذج للقيادة العصرية العظيمة
طبيب الأمير الراحل البدران لـ “البلاد”: فقدنا رجلاً بحجم الوطن
كان سموه نموذجًا للقيادة العصرية الإنسانية العظيمة
يمتلك منهجية قيادية تتسم بالحنكة والاقتدار والاستشراف
أوصل البحرين إلى مراتب الدول الكبرى بالأمن والازدهار
نسافر للعلاج فأرى قلبه معلقا بهموم الوطن والمواطن
حتى وهو مريض كان شغله الشاغل البحرين ومواطنيها
حرص على أن تكون المراكز الصحية قريبة جدا من المواطنين
مستشفيات محلية وليدة نماذج اطلع عليها بالخارج ونفذها بالبحرين
عندما أتحدث عن فقيد البحرين صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، فكل الكلام والعبارات تقف ويغص بها قلبي، ولا أستطيع التعبير عما يجول في خاطري وذاكرتي، قضيت عمري وأيامي الجميلة والصعبة مع سموه، فلي حكاية طويلة، لقد كان لي الشرف أن أكون مع الأمير الراحل، الأمير الإنسان رحلة طويلة امتدت لـ 35 عامًا، كطبيب خاص لسموه الكريم، ولقد لازمته في حله وترحاله وسفره، وتعلمت من سموه كيف يكون القائد، قائدًا وإنسانًا في آنٍ واحد، كنت أخاف عليه مثل روحي، وطوال هذه الفترة لم أر من سموه إلا الخير والحكمة والإنسانية التي غمر بها الجميع، حتى وهو مريض ويتألم كان شغله الشاغل البحرين ومواطنيها، نسافر للعلاج، فأرى قلبه معلقا بهموم الوطن والمواطن يحسب الدقائق ليرجع إلى البحرين.
أحب البحرين فأحبته وقضى حياته الجليلة في العمل لرفعتها، كان رجلا عظيما كريمًا، وقائدًا محنكا يمتلك رؤية استشرافية استثنائية لا توجد عند قائد آخر، كان يتوقع الأحداث قبل حدوثها ويحدثنا بما سيحدث لاحقًا، ويكون كل كلامه دقيقًا، لن تشهد الإنسانية قائدا فذًّا مثل الأمير الراحل (طيب الله ثراه)، الحديث عن سموه لا تسعه مجلدات، كيف أروي مسيرة حياة وأحداث استمرت لـ 35 عامًا، أعجز عن اختيار الكلمات، لقد كان الراحل رجلا بحجم الوطن، فقدته البحرين كرمز ومآثر وإنسانية وتاريخ ومنجزات وتضحية نضاهي فيها الأمم والعالم أجمع، رحم الله أبا علي، الإنسان الأمير.
حديث خاص لـ "البلاد"
بهذه الكلمات أراد مدير مركز محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة التخصصي للقلب، استشاري أمراض القلب ريسان البدران، أن يستهل حديثه الخاص لـ “البلاد” في مكتبه بالمستشفى العسكري.
قائد عظيم
يقول البدران: كان الفقيد قائدًا عظيمًا، يتلمس احتياجات وطنه ومواطنيه ويكافح من أجل تحقيقها، كان سموه نموذجا للقيادة العصرية الإنسانية العظيمة، كان لسموه منهجية قيادية تتسم بالحنكة والاقتدار واستشراف المستقبل الواعد لشعبه، وكانت أهم محاور إستراتيجيته هي توفير الأمن والتنمية المستدامة والتعليم والصحة، والتواصل المباشر مع المواطنين عبر المجالس الأسبوعية، وهي نهج ثابت في سياسته الحكيمة، أحب شعبه فتواصل مع كل المواطنين بكل الطوائف والشرائح، في سياسة لم نعهدها في زعيم آخر أسس لسياسة الباب مع المواطنين واستمر بها حتى وهو في مرضه، يستقبلهم في مجلسه الأسبوعي، ويصغي إليهم جيدا، يستمع لاحتياجاتهم ويطلب منهم الحديث و طرح كل مطالبهم، فسموه يعرفهم جميعًا، ولا يخفى عليه أحدهم، كان “ذكيًّا” بطريقة تذهل كل من هم حوله، لا يكتب أي مطلب أو احتياجات في المجلس، لكنه كان يصحح لمستشاريه مطالب مواطنيه بذاكرة فذة، وبعد المجلس، كان سموه يجتمع بمستشاريه والوزراء، مستعرضًا احتياجات المواطنين ومطالبًا وحاثًّا على سرعة حلها، كان يتابع كل ما يبثه المواطنون بالصحافة أو أي منبر إعلامي آخر ويرد عليه.
استتباب الأمن
كان الأمن والاقتصاد أحد أهم الأهداف التي عمل الفقيد الراحل على توفيرها في البحرين للجميع، واستطاع أن يوصل البحرين إلى مراتب الدول الكبرى بالأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي، حتى أصبحت مقصدًا للشركات الأجنبية العالمية، ومقرًّا للمنظمات الإقليمية، كان سموه يقول دائمًا “الأمن هو أهم بوابة للتنمية الاقتصادية التي تعد سببًا في ارتفاع ونمو الاقتصاد وارتفاع دخل المواطن ورفع مستواه المعيشي، والأمن الذي حققه شجع البنوك والشركات المالية العالمية للاستقرار بالبحرين.
استقطاب الجامعات للبحرين
ويروي استشاري القلب، عددا من الذكريات عن الراحل، فيقول: أحيانا نسافر في رحلة علاجية، وفي الفحوصات، كان الراحل مشغولاً بالبحرين، شدته الجامعات ومؤسسات التعليم العالي العالمية، فأخبرني أنه سيعمل على إحضارها للبحرين لتطوير التعليم بالبحرين، فأقول له: “عليكم أن ترتاحوا فأنتم في رحلة علاجية”، لكنه كان يستمر في عمله واتصالاته حتى ينجح في استقطابها، وبالفعل استطاع وفي رحلات علاجية استقطاب 3 جامعات ليكون مقرها البحرين ودعمها بكل الأشكال وساعدها لكي تستقر وتعمل من المنامة، من أجل حصول المواطن على فرصة الدراسة فيها وهو في بلده وبين أسرته دون عناء وتكاليف السفر في الخارج، ومنها “جامعة أما العالمية، العام 2002، وهي مؤسسة تعليمية متخصصة في تقنية المعلومات، وهي رائدة في مجال تقنية المعلومات، استشرافا ورؤية من سموه بأن التعليم التقني والتكنولوجية هو المستقبل، فحرص سموه على ضرورة نقله للبحرين، وفي مراحل سبقت دول الخليج والمنطقة.
ثم كانت جهود سموه باستقطاب أهم الجامعات الطبية المعروفة والمعتمدة على مستوى العالم، وهي: الكلية الملكية للجراحين في إيرلندا- جامعة البحرين الطبية (RCSI)، الكلية الملكية للجراحين في البحرين والتي قبلت أول دفعة في العام 2004، ثم كان سعيه المتواصل لاستقطاب الجامعة الملكية للبنات العام 2005، وتأتي المشروعات التعليمية الرائدة من تأكيد سموه ومقولته إن “المواطن المتعلم هو الأقدر على خدمة البحرين من غير المتعلم، واستطاع سموه استقطاب الجامعات العالمية والطلبة من الخليج والخارج للدراسة فيها، وتفعيل حركة النشاط التجاري وتنمية الاقتصاد وخلق فرص اقتصادية وفرص عمل للمواطنين بواسطتها.
مراكز صحية “قرب” المواطنين
وكان هم سموه وشغله الشاغل “الصحة”، كان يعمل من أجل أن تقدم للمواطن خدمات طبية ورعاية صحية تضاهي ما يقدم في الدول المتطورة، كان يناقشني بالأمور الطبية والعلاجية، وأتعجب من مدى اطلاع سموه فيها، وكان إتقانه وإجادته للغة الإنجليزية ومتابعته لآخر التطورات الطبية قد مكنه من امتلاك كنز من المعرفة الطبية، فدعم البحث العلمي والطبي وأطلق الجمعيات الطبية المتخصصة، ودعم وزارة الصحة في تطوير الرعاية العلاجية والخدمات الصحية المقدمة للمواطنين وإطلاق العديد من برامجها في هذا الجانب، كان الراعي الأول للمؤتمرات والمعارض الطبية، سخر الإمكانات لبناء مزيد من المراكز الصحية وبأعلى المعايير العالمية، وحرص أن تكون المراكز الصحية قريبة جدًّا من المواطنين لكي يحصلوا على الخدمات الطبية من دون عناء، وعندما كنا نسافر كان يذهب سموه شخصيا ليتابع المراكز الطبية بالخارج وينقل نسخًا منها إلى البحرين بالتصميم والخدمات، والعديد من المراكز و المرافق المتخصصة والمستشفيات بالبحرين كانت وليدة نماذج اطلع عليها بالخارج ونفذها بالبحرين.
مركز القلب... ثمرة جهوده
ويقول استشاري أمراض القلب: أما مركز القلب الجديد الذي سينطلق العمل به في الأعياد الوطنية المجيدة الشهر المقبل، فكان الأمير الراحل وراء كل صغيرة وكبيره فيه، التأسيس، التصميم، الكوادر، الألوان، الأجهزة، مساحة الغرف، المختبرات، حتى الألوان أختارها سموه وضمن رؤيته المبدعة في هذا الجانب ومنذ العام 2005، كان مهندس المشروع بلا منازع، حيث كان يجتمع بالشركة الأميركية المتخصصة ببناء المشروع وهي شركة عالمية متخصصة ببناء المستشفيات في العالم، ويجتمع بالمسؤولين والوزراء لمرات عدة في الأسبوع الواحد.
ويضيف: يعد مركز القلب تجسيدًا لروح القائد المحب لصحة شعبه، وهو هديته لشعبه، وستبقى لمساته أثرًا عطرًا تتذكره البحرين وتسجله في ذاكرتها الباقية للأجيال المقبلة، كان سموه يقول لي “بدران لقد أصبحت أمراض القلب هي السبب الأول للوفيات، وأنا أريد للبحرينيين مرفقًا طبيًّا يحميهم ويعالجهم من أمراض القلب، ويكون صرحًا غير مسبوق بالمنطقة”، وكان له ما أراد.
أحب الأطباء كما أحبوه، كان سموه وراء إنجازات الأطباء البحرينيين، بدعمه للابتعاث والتدريب بالخارج، كان دعمه وراء فتح عيادات الاستشاريين العاملين في السلمانية لزيادة دخلهم، ولعل هناك من لا يعرف أن سموه ساعد الأطباء ماديا ومعنويا لافتتاح عيادات ومستشفيات خاصة وتوفير الاجهزة والمعدات، وكان يسهل كل معاملاتهم، وكرم الأطباء بجائزة ويوم خاص.
أخيرا... كان مسؤولا وإنسانًا خلق لعمل الخير
أخيرا... لا تسأليني عن حالي بعد رحيله، لقد فقدت الأمير والإنسان والأخ والصديق، كان كريمًا في عطائه محبًّا في قلبه، أحب البحرين وأحب مواطنيه وخدمهم طوال حياته فأحبوه، جالسهم وجلس معهم وحل مطالبهم وأكرمهم، كان محبا لعمل الخير، يتابع من هم حوله، يسأل عن أحوالنا، كان رجلاً عربيًّا أصيلاً شهمًا وقائدًا فذًّا، ولن يحمل التاريخ شخصية قوية ورحيمة ومتواضعة وإنسانية مثل سموه، رحم الله أبا علي وإلى جنة الخلد مع الأولياء والصالحين.