+A
A-

جمانة القصاب: ”الكتابة تؤذيني والرسم يحررني من الألم“

جمانة القصاب شابة أخذها الشغف والطموح وحب الاطلاع على الكتب للأبداع في سردها لروايتها وتكوين مسار فني و الحصول على جائزة الشيخ خالد بن حمد للروائيين الشباب الخليجية عن روايتها "الوحوش لا تموت"، تعتبر بدايتها في مركز الموهوبين عبر دروس الأستاذ عبد الجبار علي التي كانت بين السرد والشعر، أما في الفن التشكيلي تعتمد طريقة مختلفة في صياغة أعمالها الفنية.

وتقول: ”أظن أن بدايات الجميع تبدأ بعطشٍ للتعبير، ثمة حاجة مُلحّة لقول شيء ما. كنت محظوظة بأن تكون الحكايات التي تشبّعت بها في الطفولة، ثم الكتب التي كانت تُوفر باستمرار جزءًا من شغف أبي، أسندتني أمي بتعليم مبكر للقرآن وتشجيع دائم.

كلاهما حقًا من أعطاني صيغة لأفهم أن التعبير بالكلمات هو الموقف الوحيد أمامي الذي أستطيع اتخاذه لمواجهة العالم. ثم جاءت دروس مركز الموهوبين للأستاذ عبدالجبار علي، والذي شملني برعايته لهذه الدروس حتى خارج المركز.

وهو حقًا الذي أدينُ له بمعنى الكتابة الجادّة التي أطمح للوصول إليها“.

جمانة القصاب

- البيئة تؤثر دائماً في المبدع وهو يؤثر فيها
البيئة كانت دافعًا لأختبر الحياة –أحيانًا حتى قبل أوانها-، أشعر حقًا بأن طفولتي واحد من دوافعي للكتابة. أستطيع تذكر طفولتي بتفاصيل دقيقة، أتذكر صراعاتي الصغيرة، العصافير والحيوانات التي اعتنيتُ بها، كل الكتب والقصص وما شاهدناه عبر الشاشة التلفزيونية بحرصٍ من الوالد أنا وشقيقتي.

لقد قدم أبي صداقته إلينا، وقدمت أمي حُبًا غامرًا جدًا، أعي هذا بعد أن كبرتُ الآن، لقد كنا محاطين بالجمال والتجربة. وأظن أن هذه الدقة في تكوين الذائقة رافقتنا عمرنا كلّه، لذا غلب على صداقاتي الاقتراب ممن يمارسون الفنون أو يتذوقونها، واستمر هذا حتى الآن. أنا في بيئة من الأصدقاء التي تشعرني بالتحدّي دائمًا، إنها البيئة التي تجعلني على طبيعتي دون مواربة.

- لكل موهبة وحرفة بدايات فكيف كانت بداياتك مع الفن التشكيلي؟
كان الرسم قبل الكلمة، وفقدته نتيجة لحادث طفولة. بشكل عام من أدين له حقًا بعودة التشكيل هو الأستاذة والصديقة ابتهال الأنصاري، في العام 2014 كسرت خوفي بأن وفرت لي بيئة حاضنة للتجريب، واكتشفت أن طاقة الرسم لم تنتهِ أبدًا مني بقدر ما شلّها الخوف.

أنا مدينة لها بما تبِعَ ذلك من تغيير التخصص الجامعي ليكون بكالوريوس فنون وتصميم، ومدينة لكل الأساتذة الذين شكلوا الفترة الجامعية. لكنني بشكل أساسي أقول هذا دائمًا، كل ما أرسمه أو أشخبطه يأتي من اللحظة التي لم يؤمن فيها أحد بي سوى أستاذتي ابتهال الأنصاري.

من أعمال القصاب
- ما الرسالة التي تريدين إيصالها للناس؟
أنا لا أكتب لأجل رسالة، قد يكون هذا نبيلًا لكنه لا يناسبني. ما أحاول أن أفعله بالكتابة والرسم وكل ما أقترب منه باختلاف الفنون هو محاولة القبض على لحظة وعي إنساني، وأعني بالوعي الإنساني لحظة إنسانية حقيقية، صادقة، تقول الرؤية دون وضعها في وعظ أو تصريح قد يعطيني فوقية أدرك تمامًا أنني لا أملكها.

وفي ظنّي الفن ليس مسؤولا عن الرسائل، بل عن الأسئلة.. لن يكون من المنصف أن أقول "أكتب لأجل كذا وكذا" الأمر أكبر بكثير.. لكن رغبة الاقتراب من معنى "الإنسان" وما يتعرض له هي ما أحاول الوصول إليه.

- تملكين مواهب عدة في، أين تجد (جمانة) متنفّسها ؟
قد تكون كلمة مواهب كلمة كبيرة. أملك اهتمامًا بمختلف الفنون، وأحاول بجديّة أن أمارس بعضها دون الآخر، الكتابة تؤذيني، والرسم يحررني من الألم، لكن ما أتنفس فيه حقًا هو وجودهما معًا، وتقاطعهما بأشياء أخرى.

- هل تأثرّت (جمانة) بأحد الشعراء او الشاعرات بتجربة شعرية محدّدة؟
شعريًا تأثرت وما أزال أتأثر بالكثير، ولكن يبقى لمظفر النواب مكان خاص، هو الشاعر الذي أعود إليه سواءً في فصيح شعره أو عامه، تبهرني باستمرار الحرية التي يكتب بها.

الجرأة التي يتحدّى بها كل شيء، وتقديمه لكل ما يمكن أن يكون عفويّة إنسانية ولكن دون التفريط بالاشتراطات الجمالية، تأخذني قدرته على مسرحة الحالة، ثم أنني أضعف أمام صوته المرتعش بفعل الباركنسون، وأبقى دائمًا عاجزة عن قول أي كلمة تصف ما يحركه الإصغاء إليه فيّ.

- ما أهمية وجود مشاعر حقيقية أثناء تقديم الفن التشكيلي أو في الشعر؟
مؤخرًا كنت أتساءل عن دور التجربة أمام دور المخيلة، لا أعرف، لكنني أثق أن الكتابة بشكل عام تعتمد على إيجاد شعور صادق، حقيقي، حتى وإن لم يكن هذا الشعور مرتبطًا بما يحدث في واقع الكاتب اليومي.

ويمكن لخبر جريدة أن يطلق رواية إذا وجد الكاتب رابطًا شعوريًا "كما فعل تولستوي في رواية آنا كارنينا حسب ما يشاع".

وما زال الدرب طويلًا وأنا في بداية الاكتشاف، لذا لن أستطيع أن أعطي إجابة تعبر عن رأي صارم بعد. في التشكيل أرى أن ما نرسمه انطباع عن العالم داخلنا، وهذا ما أجده في التجارب التي أحترمها وأتأثر بها.

- برأيك هل تعتقدين أن خيال له أهميته في صناعة الفكرة التشكيلية واكتمالها؟
للخيال دور كبير في فهم كل شيء حولنا، إننا كائنات مسكونة بالأوهام التي ابتكرتها، وأظن أن الفن هو أحد أعراض هذه الظاهرة البشرية المدهشة (التخيُّل).

والتشكيل ليس استثناءً، بل هو إصغاء جاد للمخيلة، يمكن أن نقول إن التشكيل هو ورق الشجرة، المخيلة هي الساق والجذور هي تجارب الواقع.. لكل جزء دوره الخاص لكنه في المجمل جزءٌ من كل. المخيلة تعالج الواقع لتجعل منه شيئًا أكثر حياةً وقابلية للعيش.

- أي نوع من أنواع الشعر تفضلينه؟
في كل (شكل) شعريّ ثمة ما يجذبني، لكن إذا تجاوزنا الأشكال والزخرفات ما يجذبني في الشعر حقًا هو الحالة الشعريّة، أن تقرأ حالة حقيقية وبسيطة بأي شكل تعبيري هو ما أبحث عنه في الشعر وفي كل شكل فني آخر.

- برأيك كيف يتميز الكاتب عن غيره ؟
لا أعرف حقًا، أؤمن أن واجب أي مبدع هو الاجتهاد والسعي في حرفته، لكن ذلك قد لا يكون كافيًا، يمكن أن أقول إنها الرؤية ولكن ذلك لن يكون دقيقًا أيضًا. تحضرني دائمًا مقولة لبول أوستر في هذا الصدد في مقارنته بين مخرجين: "هو أسلوبيّ جميل، وموهوب بشدّة في إدارة الممثلين، ومحفّز بصريًا، ولكنه شخص تطغى براعته في الصنعة على الإحساس بأي أثر لشيء شخصي، وهذا شيء غير محدد لكنه الفاصل بين العظماء والجيدين للغاية، وايلر في النهاية ليس المخرج الذي يقع في غرامه المرء، بل الذي ترفع له القبعة احترامًا" وهذا تمامًا ما أظنُه أيضًا.

- الابتكار موجود في جميع مجالات الحياة كيف يكون الابتكار في الشعر ؟
لا يوجد إجابة واحدة، لكن لنقل الرؤية، القراءة والتدريب المستمران، الفهم.