العدد 4436
الأحد 06 ديسمبر 2020
banner
هل هناك مسار آخر للعلاقات السعودية ـ الأميركية؟ (2)
الأحد 06 ديسمبر 2020

علينا عند تقييم أي موقف في العلاقات الدولية أن نضع البيئة السياسية والاستراتيجية لاتخاذ القرارات في الاعتبار، كونها العامل الأكثر تأثيراً في توجيه دفة صنع القرار، ومن هذا المنطلق نستطيع فهم علاقات التقارب التي سادت بين واشنطن والرياض خلال فترة حكم الرئيس دونالد ترامب، ونفهم كذلك التباعد النسبي الذي حدث في الفترة الأخيرة من حكم الرئيس السابق أوباما، باعتبار أن الملف النووي الإيراني كان المتغير الاستراتيجي الأكثر تأثيراً في حالتي التقارب والتباعد بين الحليفين، بمعنى أن تفهم الرئيس ترامب لمخاوف المملكة وبقية دول مجلس التعاون حيال التهديد الإيراني، أعاد العلاقات إلى مسارها الطبيعي بعد تباعد قصير إثر تجاهل سلفه أوباما لهذه المخاوف وقيامه بالتوقيع على الاتفاق النووي المليء بالثغرات مع ملالي إيران من دون أخذ وجهات نظر حلفائه الخليجيين بالاعتبار! وهذا يشير إلى أن الأمر لا علاقة له بالمصالح أو العلاقات الشخصية بقدر ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمصالح الدول والشعوب، فالعلاقات الشخصية تقوى إذا حدث توافق في مصالح الدول والشعوب، لكنها لا تمضي كما يراد لها في حال تنافر هذه المصالح وتباعدها، صحيح أن العلاقات والكيمياء الإنسانية تلعب دوراً مهماً في العلاقة بين القادة والزعماء ولكن يبقى هذا الدور مرهونا بوجود قاعدة مصالح مشتركة يرتكز عليها ولا يتنافر معها، ولنا في علاقات الرئيس ترامب مع قادة مثل الرئيس الروسي بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، مثالاً بارزاً على ما ذكرت، فهناك توافق شخصي حدث بين القادة خلال لقاءات قمة مختلفة جمعت الرئيس ترامب بكل منهما على حدة، لكن هذا التوافق لم يستطع القفز على الهوة الناجمة عن تباين المصالح بين واشنطن وكل من موسكو وبيونج يانج.


في الأخير، يمكن القول إن المملكة العربية السعودية دولة إقليمية كبرى ولاعب إقليمي ودولي لا يمكن تجاهله ورقم صعب في رؤية القوى الكبرى لأدوارها في منطقة الشرق الأوسط، ولديها خبرة تاريخية عميقة بالعلاقات الدولية، وتستطيع التعامل مع سيد البيت الأبيض سواء كان ديمقراطياً أو جمهورياً، والولايات المتحدة هي القوة الأولى عالمياً والرئيس المنتخب جو بايدن يحمل شعار “أميركا عائدة” وهذا يعني تعظيم التحالفات وشبكات المصالح الاستراتيجية لا تقويضها، وليس له أن ينفذ وعوده للناخب الأميركي باستعادة مكانة الولايات المتحدة ونفوذها العالمي من دون دعم قوي من قوى إقليمية كبرى وحلفاء مهمين في مقدمتهم المملكة العربية السعودية، ومن ثم فالعلاقات السعودية الأميركية ماضية في طريقها، والتاريخ يقول إن هذه العلاقات تغلبت من قبل على تحديات أعمق وأخطر، فالشركاء قادرون دائماً على إيجاد الصيغة المناسبة للمضي قدماً والتغلب على أية خلافات عابرة، وقد تتغير ـ وفقاً لذلك ـ التكتيكات والأدوات والآليات التي يستند إليها تحالف البلدين، لكن المسار الاستراتيجي للعلاقات لن يتغير، فاللاعبون يتغيرون ولكن مصالح الدول والشعوب باقية. “إيلاف”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .