+A
A-

إيمان: أمي أول عين لأعمالي 1 - ​2

في مدينة العقبة الأردنية 2017 تعرفت إلى الفنانة المصرية إيمان أسامة خلال مشاركتنا في سمبوزيوم آيلة للفنون، أثناء الاشتغال والرسم كأني لمحتها من خلال رسمها أو هكذا خيل لي أنها ترسم نساء مبجلات محاطات بالزاهي من الألوان والزخارف والورود وكأنهن في حديقة الاحتفاء، المرأة طاقة جبارة، هي الخصب والخير والجمال والحياة والغيمة التي يستظل بحنانها ومحبتها العالم. وقتها لم تكن تفارق مكان رسمها؛ خوفا على نسائها كانت الحارس الأمين لهن وعليهن ودائمة البحث عن مساحات من الأمان لهن تقديرا وتعظيما لدورهن في بناء هذا الكون، لا تستطيع قطع حبلها السري لأن فيه يكمن سر هذا الخلق البهي.

سر الافتتان بالمرأة
حكاية المرأة معي حكاية متلازمة ومرضية وهي في ازدياد تقريبًا. وكوني امرأة جعل المسافات أقصر وأقرب لتفهم شخصيتها وكنهها ودواخلها، وأنا ككثير من الفنانات متى بدأت أتلمس الفن وأعيشه وجدت نفسي أعبر عن حال ذاتي الضيقة دون مبرر، وربما اعتبرت أنها حالة فريدة، وهذا طبيعي كون أن ما يشعر به أي إنسان يشعر به في دائرته المنغلقة على ذاته، سواء كان حدثًا جللًا أم عاديًا، والتي حينها تتعاظم المشاعر وتتفاقم الانفعالات الشخصية.
وبمرور الوقت والتجارب والدخول بقوة في صراعات العالم، تتضاءل الأنا كثيرًا، وتجد النفس متشابهات ومتناقضات، جعلتني أقف عند حالات أخرى من النساء وقصصهن، وفي شخصيتي ميل لحب الاستماع، والتعايش مع الحالات الإنسانية بل وتقمصها أحيانًا، كنوع من القوى العليا التي قد تسيطر على ذاتي دون وعي. حينها فقط وجدت أن أعمالي ما هي إلا مرآة لمشاعر كثير من النساء التي يعانين من الخرس وعدم القدرة على التعبير.
ومن الناحية الجمالية والتشكيلية، لم أكن أنا وحدي، ولا في عصري وحدي صاحبة الافتتان بالمرأة كعنصر جمالي واضح، سبقني إليه الرجل بكثير.

الذهاب إلى الرسم
كانت العائلة دائمًا سندًا لي في دراستي وتكوين ملامح شخصيتي الفنية من حيث الاهتمام والرعاية والتفهم، وبخاصة أمي وأختي. ومن الأسرار الطريفة التي دائما ما سمعتها من أمي عن طفولتي رغم أنني لا أتذكر معظمها بوضوح، أنني منذ طفولتي كنت كثيرة السكوت والانطواء، أحببت اللعب بقصاصات الورق والشخبطة والخربشات على الجدران، كذلك كنت دائما أضع إبهامي بفمي كعادة كثير من الأطفال الصغار، وباستشارة أمي للطبيب نصحها بأن تشغل يديها دائمًا بالألوان والأدوات، وكأني حينها وجدت ضالتي، فلم أتركها حتى الآن. وكان لتفهم أمي قدر كبير في تلك المرحلة المهمة لاكتساب الموهبة وتنميتها، ومازالت هي أول حكم وناقد لأعمالي بحيادية تامة قبل خروجها من المرسم للعرض.

بين الأكاديمية عملا والفنانة، أين تجد إيمان نفسها؟
طبعًا الفنانة. نقطة ومن أول السطر. العمل في المجال الأكاديمي، فهو قمة السعادة خصوصا عندما ترى الفن يتشكل أمام ناظريك، ينغرس في جيل جديد، ويسعفك الحظ في أن يكون لك دور في تأسيسه وتكوينه ووجوده. هذه هي المتعة الوحيدة في العمل الأكاديمي.

حكايتي مع المرسم
إذا أردت أن أصف معنى “المرسم” في حياتي الفنية، قد لا أجد كلمة دقيقة شاملة، ولكني يمكن تشبيهه برحم الأم، رغم وجودي غالًبًا وحيدة بداخله، إلا أنها الوحدة الوحيدة المحمودة للفنان، من دونه قلق وغربة ووحشة.
مرسمي على الطراز العربي قمت بتجهيزه بمعية أقرب أصدقائي، في كل ركن منه ذكرى ومتعلقات من الحياة والأسفار والفنانين والأصدقاء، أعيش فيه بين لوحاتي وأدواتي وكتبي وموسيقاي، وحامل الرسم الملطخ بالألوان، قد أقضي أوقاتا طويلة في المرسم فقط دون نشاط محدد، وكأني أستحضر أحلامي واستجمع أنفاسي وألملم أفكاري، نتحدث سويًا عما سيجري في الأيام المقبلة، فأنا كثيرة التفكير قبل الشروع في الرسم، حتى اختمار الفكرة تمامًا، ثم بعدها تأتي مرحلة الدفق والانطلاق.
ومنذ أن نقلت مرسمي لمكان جديد آخر أكثر اتساعا وراحة اتخذت قرارا بألاّ يكون بابه مفتوحًا إلا  لأصحاب الطاقة الإيجابية والقريبين مني وأصدقائي المحببين والمنتمين لدوائري السعيدة، وطلابي والباحثين ممن أعمل معهم، والأرواح القريبة إلى نفسي من الفنانين والفنانات.
أقدم أعمالي الجرافيكية من خلال الحفر والطباعة البارزة من وسيط خشبي Woodcut لمجال الحفر والطباعة رونقا آخر في الفن، ومزايا وسمات أخرى، أعده نوعا آخر من التحديات التشكيلية للفنان، والتي تحتاج لكثير من التركيز والتمكن والاختزال، ورؤاه وحلوله التشكيلية تختلف تمامًا عن ضربات الفرشاة وتنوع الريشة وصخب اللون.