+A
A-

سوسن كمال: لتفضيل المواطن والتثبت من شهادات الموظف الأجنبي

مداخلةُ سعادة النائب د. سوسن كمال عضو مجلس النواب بخصوصِ الاقتراحِ بقانونٍ بشأنِ تعديلِ المادة (١١) من قانونِ الخدمةِ المدنيةِ الصادرِ بالمرسوم بقانون رقم (٤٨) لسنة ٢٠١٠، في الجلسةِ السادسةَ عشرةَ، مِن دورِ الانعقادِ الثالثِ، الفصلُ التشريعيُّ الخامسُ، المنعقدةِ يومَ الثلاثاءِ ١٩ يناير ٢٠٢١:
ينصُّ الدستورُ المجيدُ في المادةِ (السادسةَ عشرةَ) الفقرةِ (أ) على أنَّ (الوظائفَ العامةَ خدمةٌ وطنيةٌ تُناطُ بالقائمينَ بها، ويَستَهدِفُ موظفو الدولةِ في أداءِ وظائفِهمُ المصلحةَ العامةَ) (ولا يُوَلَّى الأجانبُ) (لا يُوَلَّى الأجانبُ)... (لا يُوَلَّى الأجانبُ الوظائفَ العامةَ إلا في الأحوالِ التي يبينُها القانونُ)، نُكرُّرُها للتأكيدِ، وشتانَ ما بينَ القاعدةِ والاستثناءِ، لقد قطعَ الدستورُ نفياً صريحاً لتوظيفِ الأجنبيِّ كقاعدةٍ أصليّةٍ، واستدركَ باستثناءٍ محدود.
عبارةُ (لا يُوَلَّى الأجانبُ) ليستْ قولاً من الأقوالِ، أو رأياً بين الآراءِ،  (لا يُوَلَّى الأجانبُ) ليستْ مزاجاً عُنصرياً أو هوًى متحيزاً، (لا يُوَلَّى الأجانبُ) ليستْ حتّى قراراً وزارياً، أو قانوناً نيابياً، إنَّهُ نصُّ الدستورِ المجيدِ الأسمَى، الذي يحكمُنا جميعاً، ويعلو به على كُلِّ القوانينِ والآراءِ، إنَّهُ الحقُّ الأصيلُ، إنَّهُ الضمانةُ لوطنٍ آمنٍ سعيدٍ، إنَّها الحَظوةُ لأبناءِ الوطنِ في وطَنِهم الرغيدِ، إنَّهُ الامتيازُ في أنْ يكونَ الفردُ بحرينياً في البحرين.
نعم.. نحنُ مع تفضيلِ المواطنِ البحرينيِّ كما يطرحُ الدستورُ، نحنُ مع التثبتِ من شهاداتِ الأجنبيِّ، حتى إذا كان التصديقُ على شهادةِ الأجنبيِّ متحققاً حالياً، فإنَّ الاقتراحَ يوفرُ حمايةً قانونيةً بالنَّصِّ، غيرَ متوفرةٍ في نصِّ القانونِ الحاليِّ، حيثُ يلزمُ القانونُ المواطنَ بمعادلةِ الشهادةِ، ولا يتضمنُ إلزاماً مماثلاً لغيرِ المواطنِ، مما يستجلبُ التفسيراتِ والاجتهاداتِ للدخولِ إلى المشهدِ من بابِ الاستثناءِ المسموحِ بِهِ، لقد حانَ الوقتُ لوقفِ الاجتهاداتِ، وحسمِ النصِّ بإلزامِ الأجنبيِّ بالتثبتِ من مؤهلاتِهِ كالمواطن تماماً، هذه هي المُساواةُ المنشودةُ، والعدالةُ والتنافسيةُ التي ترتكزُ عليها مبادئُ رؤيةِ البحرين ٢٠٣٠.
نحنُ ننظرُ ببالغِ الإجلالِ والإكبارِ إلى جهودِ ديوانِ الخدمةِ المدنيةِ، وسعيِهِ الجادِّ إلى تطويرِ العملِ الحكوميِّ والارتقاءِ بالمواردِ البشريةِ وجودةِ الخدماتِ التي تقدمُها الجهاتُ الحكوميةُ، ونرى بأنَّ الإلزامَ القانونيَ بالتثبتِ من الشهاداتِ لن يضرَّهُ قيدَ أُنمُلةٍ، بلْ سيدفعُهُ لمواصلةِ العزمِ لتلبيةِ توجيهاتِ صاحبِ السموِّ الملكيِّ الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيسِ الوزراءِ الموقّرِ، رجلِ الأمانةِ والنَّزاهةِ حفظهُ اللهُ ورعاهُ، في تحقيقِ التميزِ في أداءِ العملِ الحكوميِّ وتحسينِ جودةِ خدماته.
فإنَّ الاقتراحَ الماثلَ يتسمُ بالسلامةِ الدستوريةِ، كما تعضّدُهُ قوانينُ الخدمةِ المدنيةِ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ ودولةِ الكويتِ، وتشجُّعُهُ مبادراتٌ عمليةٌ لدولةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ التي نجحتْ في توطينِ القطاعِ الحكوميِّ لتنتقلَ بعدَها إلى محاولةِ توطينِ القطاعِ الخاصِّ وسدِّ الفجوةِ الهيكليةِ المتمثلةِ بغلبةِ القوى الوافدةِ على المحليَّةِ في سوقِ العملِ لديها.
ونقولُ هُنا: إنَّنا نحسَبُ أنَّ هذا الاقتراحَ يأتي في سياقِ مساندةِ توطينِ القطاعِ الحكوميِّ، فإذا كانت الرؤيةُ المستقبليةُ أن تُقوَّى الشراكةُ بين القطاعَيْنِ بحيثُ يكونُ القطاعُ العامُّ مشرِفاً لا مُشَغِّلاً، والقطاعُ الخاصُّ مُشَغِّلاً، فإنَّ تلكَ "الخصخصةُ" ستُفرِحُ الجميعَ، إنْ أنجزْنا قبلَها توطينَ القطاعِ العامِّ توطيناً كاملاً وغيرَ مسبوقٍ، وبالتالي .. لن يكونَ أيُّ حديثٍ عن الخصخصةِ مثارَ قلقٍ وتوجُّسٍ، ولن يعتبرَها البعضُ تخلياً عنهُ لدواعي السوقِ المفتوحةِ، لِما يراهُ مِن تصاعُدٍ للموجِ مِن دونِ يدٍ عُليا تُؤمِّنُ بقاءَهُ مرتفِعاً، بل ستُعتبَرُ الخطوةُ مزيداً من الإعلاءِ لقيمةِ المواطنِ.
إنَّ في التَّثبُّتِ من مؤهِّلاتِ الجميعِ عدالةٌ وتنافسيةٌ تَنشُدُها رؤية ٢٠٣٠، وفِي توْطينِ القِطاعِ الحكوميِّ نجاحٌ وامتثالٌ دستوريٌّ، يُمَكِّنُنا بعدَهُ -وليس قبلَهُ- مِن أنْ نفتحَ السوقَ على مصراعَيْهِ استقبالاً للأجانبِ، في ظلِّ اقتصادٍ مفتوحٍ ودائمِ النموِّ، في الوقتِ الذي يكونُ فيه المواطنُ مستقراً في وظائفِهِ الإشرافيةِ، ومكانِهِ المحفوظِ، وَلنْ يحتسِبَ أحدٌ سعيَ الأجنبيِّ -حينَها- مُضايقةً أو سلباً لفُرَصِ بلادِهِ، ووطنِ عِزِّه وافتخارِهِ، إنَّهُ وطنُ الجميعِ بقيادةِ سيدي حضرةِ صاحبِ الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهلِ البلادِ المفدى أيَّدهُ اللهُ ورعاهُ، وعليهِ فإننا نبدي موافقَتَنا على الاقتراحِ الماثلِ، وقوفاً معَ نصِّ الدستورِ، ومبادئِ الرؤيةِ الاقتصاديَّةِ الواعِدةِ، وانتصاراً لأطروحةِ (البحريني أولاً).