العدد 4508
الثلاثاء 16 فبراير 2021
banner
التدخين وانتهاك الحريات
الثلاثاء 16 فبراير 2021

وكأنَّ الأرضَ لا يكفيها ما نالها من تلوثٍ متعددِ المصادر والأشكال حتى يغزوها تلوثٌ آخر، إِن لمْ يكنْ عارضاً، إلا أنه تمددَ واستعرض، بل أصبح ترنداً “وسمةً عامة تُوسمُ بها المجتمعات” المتحضرة زوراً وبهتانا، وكما الأشكالُ الأخرى للتلوث التي اِنبثقتْ من فوهةِ التقدم والحضارة والتطور التكنولوجي، ظهر التدخينُ كظاهرةٍ تدلُّ على الثراءِ حسبَ النوع المستخدمِ حيناً، والشجاعةِ والجرأة حيناً آخر، بل وباتَ الوسيلةَ المُثلى للتنفيس وإلقاءِ الهموم في نفثةٍ واحدة.

وبعد أن كان حِكراً بكل أنواعه على الرجل، إلا بعضَ أنواعِ التدخين التي اشتركَ فيها الرجلُ والمرأة منذ القدم، أصبحت المرأةُ أيضاً تُزاحمُ الرجل في مقاهي الشيشة وتتفاخرُ بنفثِ دخانِها في الأجواء، بعد أن كانت تُلازمُ منزلها وتدخن بين النسوة في خصوصيةٍ تامة. لقد حان الوقتُ إذاً لنُلقي الضوء على ظاهرةٍ قديمة متجددة، لا جديد فيها سوى أنَّ صبرَنا قد عِيلَ من تلك الظاهرة التي لمْ تترك لنا موطئ قدمٍ في المقاهي والمطاعم العامة، التي أصبحت بأغلبها تسترزقُ على خدماتِ المدخنين وتُفردُ لهم أفضلَ الأقسامِ بمقاهيها ومطاعمها، ولمْ يعُدْ للأسرِ مكان يجلسون فيه ليقضوا وقتاً ممتعاً أو يتناولوا وجبةً طيبة.

المدخنون باتوا يتمتعون بحقِ التدخين ليس في المقاهي وحدها، بل في الأماكنِ العامة والطائرات ومواقعِ الإنشاءات وبعض مواقع العمل الأخرى. أغلبهم لا يُهمهم من يتواجدُ حولهم من الناس، ولا يراعونَ وجودَ أطفالٍ في المكان، أو كبارِ سن أو مرضى لا يستطيعون تحمُلَ سُحبِ الدُخان، ويعاني بعضُهم من ضيقٍ في التنفس وقد تُودي بحياتهم سيجارة. حتى أنهم قد يُشعلون سيجاراتِهم وشيشاتِهم الإلكترونية في مراكز ألعابِ الأطفال المكتظةِ بالأبرياء الذين جاءوا للعبِ والمتعة لا للاختناقِ وتعلمِ سلوكٍ يتنافى مع السلوكاتِ التي علَّمها لهم آباؤهم. وهنا أسألُ بعضَ المدخنين، أحقاً أنتم لا تستشعرونَ سخَطَ الناس من حولكم، ولا تبالونَ بصحةِ الآخرين المتواجدين في البيئة التي لوثتموها، أمْ أنكم تُدركونَ ما تفعلون، لكنكم لا تهتمونَ إلا بمُتعتكم؟ أعزائي المدخنين، لكم مطلقُ الحريةِ في التدخين طبعاً، “وإن ألقيتمْ بأيديكم للتهلُكة”، ولكنَّ حريتَكم هذه لا يجبُ أن تعتدي على حرياتِ الآخرين، فتحرِمَهم من الاستمتاعِ والخروج والتنزهِ في الأماكن العامة المفتوحةِ أو المغلقة. وأخيراً أقول، أيحقُ لكم إلحاقُ الأذى بالآخرين الذين يُدخنونَ معكم بالرغمِ منهم لا بالرضا، ويستنشقونَ غماماتِ السُمِّ الذي تنفثون، وهل سكوتُ الناس من حولكم يُحِلُّ لكم انتهاككم حرياتهم وإضراركم بصحتهم؟ ومتى يُعلَّقُ في كل قسمٍ مخصصٍ للتدخين هذه العبارة التي تُجبرُ شركات الدخانِ على نشرها، ولا تُجبرُ بؤرُ التدخينِ على تعليقها: “تحذير حكومي: التدخين سببٌ رئيسي في الإصابة بسرطانِ الرئة وأمراضِ القلب وتصلبِ الشرايين والسكتة الدماغية”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .