العدد 4511
الجمعة 19 فبراير 2021
banner
الدكتور الأنصاري مفكرا وأديبا
الجمعة 19 فبراير 2021

من منّا لم ينهل من فكر الدكتور محمد جابر الأنصاري؟ لم يكن الدكتور محمد جابر الأنصاري كاتباً فحسب، إنما كان مثقفا من الطراز الأول وقارئا نهماً للتراث العربي والعالمي. تعود بداية معرفتي بكتابات الدكتور الأنصاري إلى سبعينات القرن الفائت من خلال مقالاته المعمقة والمتميزة والتي تحتل الصفحة الثالثة من جريدة "الأضواء" التي كان يرأسها الراحل محمود المردي، وقد عالج من خلال كتاباته وأبحاثه الهم الوحدوي العربيّ من كل جوانبه.

قليلة الكتابات إلى حدّ الندرة تلك التي أحاطت بفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري عبر مسيرته الفكرية والثقافية والأدبية التي تجاوزت النصف قرن من العطاء والإبداع، وأستثني هنا الكتاب القيم الذي اشتغلت عليه بدأب ومثابرة الدكتورة صفاء إبراهيم العلوي والذي صدر تحت عنوان "الكلمة من أجل الإنسان سيرة المفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري"، إنه بحق بحث متميز تناول سيرة الأنصاري منذ النشأة ثم مقاعد الدراسة في البحرين وبيروت ولندن وحتى المواقع التي تبوأها والتكوين الفكري والقومي. الذّي يغيب عن أذهان الكثيرين من قرّاء الدكتور محمد جابر الأنصاري أنه عمل في بداية حياته العملية في سلك التدريس بمدرسة المنامة الثانوية للبنين التي تخرج منها، وبعدها التحق بالمعهد العالي للمعلمين عام 1966م، واللافت هنا أنّ الدكتور الأنصاري لم يسلك المنهج التقليدي المتبع آنذاك في التدريس لكنه اختط منهج المحاضرات كما كان يكلف طلبته بكتابة البحوث، أما لماذا اختار التدريس كمهنة فلأنها كانت الأقرب إلى ميوله، وكما عبّر عنها ذات مرة بأنه "يشعر بسعادة غامرة عندما يكون بين طلبته".

لم يشعر الدكتور الأنصاري بأية رغبة في العمل الإداري وكان يرى أنه يحد من طموحات الكاتب والمعلم، وكما قال "هناك مئات الأفكار خارج المكتب الإداري تولد تحت ضوء الشمس"، وأفردت الباحثة د. صفاء العلوي مساحة لرؤية الأنصاري للعمل الإداري تستحق التأمل وجديرة بالاحتفاء. والذي يسبر سيرة الدكتور الأنصاري لابد أنه يكتشف جليّا مدى تأثره بما طرحه ابن خلدون من أنه "على الباحث أن يتفرغ تفرغا علميّا كاملا ليكتب عمله في قلعة منعزلة في شبه منفى لأربع سنوات". لمع اسم الدكتور محمد جابر الأنصاري كمفكر عربيّ منذ سبعينيات القرن الماضي من خلال كتاباته وأبحاثه الرصينة ومشاركاته في المنتديات الفكرية ومؤلفاته القيمة، وعندما افتتحت جامعة الخليج العربيّ أصبح الأنصاري محاضرا ثم أستاذا لدراسات الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر، ثم عميدا للدراسات العليا. في عام 1989م تم تعيين د. محمد جابر الأنصاري مستشارا علميا وثقافيا لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عندما كان وليا للعهد وفي عام 1999م تم تجديد تعيينه كمسشار ثقافي لجلالته. وللدكتور محمد جابر الأنصاري الفضل الأكبر في تأسيس أوّل كيان أدبيّ في البحرين في نهاية عقد الستينات من القرن الفائت بالتحديد 1969م وسط مصاعب جمة تواجه الكتاب والأدباء إضافة إلى عدم التشجيع للأدب، ولم يكن متاحا أمام الموهوبين الشباب آنذاك سوى الصحافة الحائطية للأندية التي تعد الوسيلة الوحيدة لنشر نتاجاتهم الأدبية. كان الدكتور الأنصاري قائدا للأدباء الشبان وفي سبيل الارتقاء بهم بذل جهودا كبيرة لتأسيس أول كيان يجمع شملهم 1969م، وأصبح هو أول رئيس لهذا التجمّع الذي حمل اسم أسرة الأدباء والكتاب كونه الأب الروحيّ للحركة الأدبية، وتعد مقالاته النقدية محفزا للشعراء للإبداع.

ربما يجهل البعض أنّ الدكتور الأنصاري نظم العديد من القصائد إلا أنّ ما كتبه نثرا هو الأكثر جودة بشهادة النقاد كما كتب مجموعة من القصص القصيرة ونصوصا مسرحية لم يقدر لها أن تطبع. تمثلت النقلة الأكبر في حياته في الكتابات الفكرية والتحليلية التي عالج من خلالها قضايا الأمة العربية معللا هذا الانتقال بـ "أنّ العصر العربيّ يحتاج إلى تأسيس عقلي ونثري وإلى العلوم الاجتماعية وأن منزع التفكير الاجتماعيّ جذوره الأزمة المجتمعية".

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .