العدد 4514
الإثنين 22 فبراير 2021
banner
ابحث عن فضولي
الإثنين 22 فبراير 2021

ما دارَ حوارٌ بين اثنين إلا وكان الفضولي ثالثهما، فتراهُ وقد فتحَ أجهزةَ التنصتِ على مِصراعيها، وقد اِشرأبَّ عُنقه واستطالتْ أُذناهُ كآذانِ يأجوج ومأجوج، وتوسعتْ حدقتاهُ كي يُسجلَ الخبرَ بالصوتِ والصورة واللون والحركة، لكأنهُ قد كُلِّفَ بنقل النبأِ كمراسلٍ في حرب، أو كمصورٍ في فيلم سينمائي، وهو أساساً غيرُ معنيٍّ بالحوار الدائر بين الاثنين، حتى أنهما كانا يتحدثان سراً وبصوتٍ منخفضٍ ربما، خوفاً من ذلك المتطفل الذي لا دخلَ له بموضوع الحوار، ومع ذلك يتفاجآن بدخولهِ على الخط وبصورةٍ عارضة، ليرشهما بسيلٍ من الأسئلة عن الموضوع وعن الشخص أو الأشخاصِ الذين يدورُ حولهما ذلك الموضوع، وإذا كان الفضولُ قد قتلَ الهرةَ ذاتَ الأرواحِ السبعة، فما هو فاعلٌ بمن يحشرُ أنفهُ فيما لا يعنيه؟!

لا يُحرِجُ الفضوليُ هذا غير نفسه، ولا يكسرُ سوى صورته في عيون الناس والمجتمع الذي يحيا فيه، فيُعرِّضَ نفسه للإهانة من بعض الأفرادِ الصرحاء الذين لا يقبلون تصرفاته ولا يتعاملون مع الآخر بأسلوبِ المجاملة، فيقعُ الفضولي في فخِ الحرج والخيبةِ الذي نصبهُ هو لنفسه. البعضُ الآخر قد يعاملُ “فضولي” بتجاهلٍ تام؛ فيتصنع عدم سماعه وهو يُفرِطُ في طرحِ الأسئلة وتقصي الحقائق، فيُصابُ بالحرج على رؤوسِ الأشهاد، وآخرونَ يلجأون لتغييرِ الحقائق ليروا ظمأَ الحِشَري هذا؛ فيظنُ أنه قد مُنيَ بصيدٍ سمين، ثم يتضحُ له أنه قد استُغفِل، وهو في الواقعِ يستحقُ ذلك. هو حقاً يُحرج الآخرينَ بتدخلاته، لكنه يُحرجُ نفسهُ أكثر إنْ أردتم الحقيقة، فما الذي يدفعه لفعل ذلك مراراً وتكراراً بالرغم من ردودِ أفعالِ الآخرين القاسية؟ الطبعُ يغلبُ التطبع والفضولي مجبولٌ على التطفلِ على الآخرين.

أيها الفضولي العزيز، أعزِزْ نفسكَ وأكرِمْ ذاتك وصُنْها من الذِلةِ والهوان بعدم التدخلِ فيما لا يعنيك، كي لا تجد ما لا يُرضيك، وتذكَّر بأنَّ القلوبَ أوعية ولا حق لكَ بسكبِ ما فيها إلا بإذن أصحابها، توقف عن النبشِ في الصناديقِ المُغلقة ما لم تُسلَّمْ مفاتِحَها، وتأكد بأنكَ مدعوٌ لتفاصيلِ الحَكايا حين يُسمحُ لكَ بسماعِ حيثياتها فقط. أغلقْ أجهزةَ التنصتِ خاصتَك وافتحْ قلبك، فأنتَ لا تحتاج سوى لقلبٍ سليم يستمعُ لآلام الآخرين ويقدمُ لهم النصيحة، وتذكَّرْ أنَّ الفضول يُؤذي ويقتل والاهتمامَ يُحيي المحبةَ بين الناس، وشتَّانَ بينهما.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .