العدد 4534
الأحد 14 مارس 2021
banner
سيكولوجيا الجماهير
الأحد 14 مارس 2021

يقال في سيكولوجيا الجماهير "ليست الوقائع بحد ذاتها هي التي تؤثر على المخيلة الشعبية، إنما الطريقة التي تعرض بها هذه الوقائع، ومعرفة فن التأثير على مخيلة الجماهير تعني معرفة فن حكمها''، وبالتالي فإن الإعلام والإعلان يعدان من أكثر الوسائل والرسائل التي تؤثر في سيكولوجيا الجماهير بالسلب والإيجاب، وعليه سأطرح هنا مثالين على ذلك، أحدهما يتعلق بالزوبعة التي حدثت إثر انتشار تناول المشروبات في قنينات الأطفال، وقد انقسم الشارع العام في ذلك لقسمين أحدهما كان يرغب بشدة في أن يركب موجة "الترند"، وأن يقبل على تجربة الدعاية الجديدة التي بالتأكيد نجح مروجوها من أصحاب بعض المقاهي والمطاعم في إطلاقها، وإن كانت قد تركت انطباعا سيئا فلا يهم، المهم لدى أصحاب المشاريع هو الترويج بأية طريقة.

والقسم الآخر كان رافضا بشدة لمثل ذلك التصرف، والحقيقة أن المجتمع البحريني لعب دورا عظيما في اتزان الشارع العام وجر سيكولوجيا الجماهير الخليجية نحو رفض هذا التصرف برمته على الرغم من أنه لاقى أصداء مقبولة في بعض المجتمعات، لكن تحرك الشارع البحريني ورفضه ما لا يليق بالذوق العام صحح البوصلة نحو ما هو إيجابي في رفض أية أفكار قد تشوه السلوك والأخلاق.
الأزمة الثانية هي الفيديو الذي تم نشره لفتاة صغيرة تتعرض للتحرش على يد شخص يبدو في ظاهره أنيقا مرتبا بالغا واعيا، لكنه يضمر شرا لا يعلمه إلا رب العباد، ذلك الفيديو الذي تم نشره على يد إحدى النساء اللاتي تابعن الموقف عن كثب سبب ضجة كبيرة وحالة من الرفض والغثيان، وقدم لنا نموذجا جديدا لوحش بشري أنيق بهندام مرتب ووجه مريح، والكثير من التساؤلات حول هيئة بعض المرضى النفسيين الذين يعيشون في أوساطنا بقناع الطيب والود والرقي، وهو في داخله وحش يود الانقضاض على فريسته بأية لحظة دون خوف أو رادع، لقد شكل الفيديو أزمة كبيرة ورسالة عميقة وبلبلة في الأوساط بكل طبقاتها، ذلك أنه لمس قربا مكانيا، كون الحادثة وقعت في مجتمع عربي مسلم صديق، وقرب الحياة اليومية، ذلك أن الكثير من قصص التحرش يتعرض لها أطفال بشكل يومي، واهتمام إنساني لأن الجميع تخيلوا أطفالهم أو أقرباءهم يقعون فريسة لمثل هذا الكائن الذي يصعب علي أن أكرمه بكلمة إنسان.

السؤال الأهم هل هذه الحادثة هي الوحيدة، بالطبع لا، إنما هي حادثة حركت الرأي العام كونها أثرت على مخيلة الجماهير عن طريق عرضها بهذا الأسلوب (وهو فيديو كاميرات المراقبة التي نقلت الواقعة بتفاصيلها دون أي تدخل)، وبالتالي أثرت على سيكولوجيا الجماهير الذين نتمنى منهم الانتباه دوما إلى فلذات أكبادهم وأقاربهم وتوعيتهم بما يخدمهم ويحفظهم بإذن الله تعالى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية