العدد 4549
الإثنين 29 مارس 2021
banner
المعارضة السياسية المستقلة والمعارضة المرتهِنة للخارج
الإثنين 29 مارس 2021

شهد الحراك النيابي في البحرين في الآونة الأخيرة نشاطًا محسوسًا ومحمومًا بين أروقة المؤسسة التشريعية، تمثل في قيام مجلس النواب بتشكيل لجان تحقيق برلمانية، أجرت تحرياتها وتحقيقاتها بكل جرأة وحرية، وأصدرت تقاريرها بكل نزاهة وشفافية، منها تقرير اللجنة النيابية بشأن الخدمات الطبية، الذي تضمن اتهام وزيرة الصحة بـ “العجز والتقصير في إدارة العملية الصحية” على الرغم مما بذلته الوزيرة ذاتها طيلة العام الماضي وإلى الآن من جهود متفانية، وما حققته من نجاحات وإنجازات مشهودة في مواجهة جائحة كورونا في إطار جهود الفريق الوطني الذي يقوده صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين رئيس الوزراء الموقر.

وقد ناقش أعضاء مجلس النواب قبل ذلك، التقرير النهائي للجنة التحقيق البرلمانية في أداء صناديق التقاعد التي تدار من قبل الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، وكشف التقرير عن الكثير من المخالفات والتجاوزات. وخلال النقاش اتُهِمَ رئيس وأعضاء مجلس إدارة الهيئة بعدم الالتزام بالأنظمة والقوانين، وعدم تنفيذ التوصيات، والفساد والتلاعب بالأرقام، وذلك بحضور وزير المالية بصفته الوزير المختص.

وثمة لجنة تحقيق برلمانية أخرى ما تزال تنظر في أداء وزارة الإسكان، كل هذه اللجان البرلمانية تستفيد أيضًا من التقارير الدورية التي يعدها بانتظام ديوان الرقابة المالية والإدارية الذي يعمل على حفظ وصون المال العام.

ولدورة نيابية كاملة سابقة كان عضو مجلس النواب، المستقل، السيد علي شمطوط يزأر ويصرخ في وجوه الوزراء تحت قبة البرلمان، وبأسلوبه التصادمي العفوي المنفلت يطالب بمحاسبتهم وعزلهم وسجنهم، قائلًا لهم بين الحين والآخر: “والله فشلتونا”؛ بحيث انتشرت هذه العبارة وأصبحت وسمًا (هاشتاق) مميزا لفترة طويلة.

وعلى خلاف الكثير من الأنظمة البرلمانية في العالم التي تتشكل الحكومة بموجبها من الأعضاء المنتخبين الحاصلين على غالبية المقاعد، بحيث تصبح الأقلية هي التي تشكل المعارضة في البرلمان، كما هو الحال في مجلس العموم البريطاني اليوم (على سبيل المثال) إذ تتمثل المعارضة في حزب العمال الحاصل في انتخابات 2019 على 202 مقعد فقط، في مواجهة حزب المحافظين الحاكم الذي يتمتع بالغالبية المطلقة بعد أن حصد 365 مقعدا في مجلس العموم المكون من 650 مقعدًا. على خلاف ذلك فإن النظام البرلماني الذي اختاره الشعب في البحرين، وصوت بالموافقة عليه بنسبة 98.4 % ضمن ميثاق العمل الوطني ومبدأ فصل السلطات، قد جعل مجلس النواب برمته وبكل أعضائه يشكل كتلة المعارضة والرقابة والمحاسبة للحكومة، من دون أن تكون الحكومة طرفا فيه، ولذا فإن أعضاء مجلس النواب، وهم من خيرة شعب البحرين، تجدهم حريصين ويتسابقون على ممارسة سلطاتهم وحقوقهم الدستورية، وعلى تأكيد دورهم كسلطة مُعارِضة وكجهة للرقابة والمحاسبة؛ وذلك بتوجيه النقد لسياسات الحكومة وبرامجها وأجهزتها، ومساءلة الوزراء ونقدهم، وعند الضرورة اتهامهم بالاخفاق والتقصير، والمطالبة بحجب الثقة عنهم وإقالتهم، وتكوين لجان لمحاسبتهم والتحقيق معهم.

ويوجه أعضاء مجلس النواب الانتقادات والاتهامات بشكل منتظم إلى كل الوزراء تقريبًا، نال القسط الأوفر منها الوزراء المعنيون بالقطاعات الخدمية مثل وزراء الإسكان، والكهرباء والماء، والعمل والشؤون الاجتماعية، والتربية والتعليم، والأشغال والبلديات، والصناعة والتجارة والسياحة، على سبيل المثال لا الحصر.

ولقد هيأ وأتاح التقدم العلمي، ووفر تطور تكنولوجيا المعلومات، قنوات وأبوابا وأدوات جديدة وسهلة ومبتكرة لممارسة المعارضة السلمية المشروعة عن طريق التعبير عن الرأي من خلال وسائل الإعلام المفتوحة ووسائط ومنصات التواصل الاجتماعي المتعددة، ولم يعد بوسع أحد منا أن يتهم الأنظمة الحاكمة، في أي بلد، باحتكار الحقيقة والتسلط والسيطرة على وسائل الإعلام، وكبت الأصوات وتكميم الأفواه والتحكم في توجيه الرأي العام، فقد تحول كل واحد منا بجهازه الهاتفي الذكي المحمول إلى وزارة إعلام متنقلة، وإلى محطة لبث المعلومات والأخبار.

وما دمنا قد أشرنا إلى بريطانيا، وهي تعتبر حصن الديمقراطية وأم الحياة البرلمانية، فإن مبدأ أو فكرة المعارضة السياسية فيها كانت قد برزت في القرن الثامن عشر، تحت عنوان “المعارضة المخلصة”، وشرط الإخلاص كان وما يزال شرطًا أساسيًا لممارسة حق المعارضة في بريطانيا أو في أي مكان آخر، وهي تعني أن الجهة أو الحزب الموجود في المعارضة مخلص لنفس الأهداف والغايات الوطنية، ونفس المصالح والمبادئ الأساسية كالحزب الموجود في السلطة، ولا يمكن لأي معارضة أن تلجأ أو تستعين بأي جهة أجنبية أو تتلقى أي دعم مادي منها، ولم نسمع حتى الآن وحتى قبل نضج التجربة الديمقراطية في بريطانيا أن المعارضة البريطانية كانت قد لجأت أو استعانت بأي دولة أو قوة أو جهة أجنبية؛ على هذا الأساس تصبح المعارضة شرعية، وتشكل جزءا مكملا للنسيج السياسي، وتتمتع بالاحترام وتعتبر مصدر قوة للدولة. ومازال هذا المبدأ ساريًا وحاضرًا؛ فزعيم المعارضة في المملكة المتحدة يسمى رسميًا إلى يومنا هذا “زعيم المعارضة الأكثر ولاءً لجلالة الملكة”، وبالإنجليزية الدقيقة: “The Leader of Her Majesty’s Most Loyal Opposition”

وفي العام 2018، أي قبل أقل من 3 سنوات، زار البحرين السيد راهول غاندي، رئيس “حزب المؤتمر الوطني الهندي”، وقد التقيت به أثناء زيارته، وكان حزبه وقتها في موقع المعارضة، ويستعد لخوض الانتخابات البرلمانية الهندية المقبلة، وكان الهدف من الزيارة الترويج لحزب المؤتمر بين الجاليات الهندية المقيمة في الخليج العربي، ولما التقى بالجالية الهندية في البحرين، تحدث بإسهاب عن خطط وبرامج حزبه، لكنه رفض التهجم أو الانتقاد أو التعرض إلى حكومة بلاده أو إلى “حزب الشعب الهندي القومي” (بهاراتيا جاناتا) الحاكم وقتها والمنافس له في الانتخابات المقبلة، لأن مثل هذا التصرف مقبول ومطلوب في بلاده، لكنه ممقوت ومحرم خارجها، هذه هي “المعارضة المخلصة” التي تستحق التقدير والاحترام.

أما المعارضة التي تُمول وتتحرك وتنشط في الخارج أو تلجأ أو تستعين بأي دولة أو جهة أو قوة خارجية، فإنها تصبح مرتهِنة وأداة بيد النظام أو الدولة التي تحتضنها، ويكون مصيرها عادة كمصير “معارضة الإخوان المسلمين المصرية” التي استعانت ولجأت إلى تركيا أردوغان، لتستقوي بها على حكومة بلادها، فاستخدمها أردوغان لتحقيق أحلامه وأهدافه التوسعية، لكنه استغنى عنها وكبلها وقيدها وقلم أظافرها وكمم أفواهها عندما شرع مؤخرًا في تحسين علاقاته بمصر.

حدث الشيء ذاته مع المعارضة الكردية العراقية في عهد حكم البعث عندما لجأت إلى إيران الشاه؛ فتخلى عنها بعد توقيع اتفاقية الجزائر مع صدام حسين في العام 1975، في مقابل قيام صدام حسين بالتخلي عن المعارضة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني وطردها من العراق بعد أن كان نظام صدام يدعمها ويؤويها في بغداد.

وتدور الأيام ويقوم النظام الذي ما يزال يحكم العراق بطرد “مجاهدي خلق” الحركة الإيرانية المعارضة، والمناهضة لنظام حكم جمهورية إيران الإسلامية، وترحيلهم إلى ألبانيا، أفقر دول أوروبا، بعد أن كانت هذه الحركة تتخذ من بغداد مأوى ومستقرا لها أيام حكم صدام حسين؛ هكذا يتم التسليم والاستلام، وتتم المبادلة والمقايضة بحركات المعارضة التي تعمل في الخارج ضد أوطانها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية