+A
A-

سمو الشيخ عبدالله بن عيسى.. مسيرة حافلة من الإنجازات الوطنية

عبدالكريم إسماعيلأول طيار بحريني وخليجي ورائد للنهضة التعليمية البحرينية، وفارس وسياسي وقاضي ومستشار وسياسي ومناصب وأوسمة ونياشين لاتنتهي ولا حصر لها، إنه المغفور له بإذن الله سمو الشيخ عبدالله بن عيسى بن علي آل خليفة طيب الله ثراه الذي تحل اليوم 23 أبريل الذكرى ال 55على رحيله..
في مدينة المحرق عام 1883م ولد سموه، وتوفى في 23 أبريل عام 1966م وهوأحد أبناء الشيخ عيسى الكبير حاكم البحرين وتوابعها (1869 - 1932م)، المغفور له بإذن الله صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي بن خليفة بن سلمان بن أحمد الفاتح، ونظرا لما كان يتمتع به سموه من فطنه وذكاء وقدرة عالية على تحمل المسؤولية فقد أسند إليه العديد من المناصب الحكومية القيادية.

مناصب رفيعة
ومن أبرز المناصب التي تولاها المغفور له باذن الله وطيب الله ثراه، في عام1919م شغل منصب رئيس بلدية المنامة، وفي عام  1920م عين رئيسا للمجلس البلدي، وفي عام1919م عين مديرا للمعارف، وفي عام 1928م عين رئيساً لبلدية مدينة المحرق، وفي عام 1928م عين رئيسا للمجلس الأعلى للمعارف ومقرها مدينة المحرق، وفي عام 1931م عين وزيرا للمعارف في حكومة البحرين، وفي عام 1938م كلف برئاسة
 البلدية للمرة الثانية حتى 1956م، وفي عام  1938م عين قاضياً رئيسياً في محكمة البحرين، ومحكمة الاستئناف العليا، ثم تولى منصب رئيس محكمة الاستئناف، كما كان سموه يقوم نيابة عن حاكم البحرين بحضور المحكمة المشتركة، وفي عام  1956م عين رئيسا للمجلس الإداري، كما عمل كمستشار خاصا لوالده المغفور له صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين وقائما بإعماله في بعض الأحيان والمناسبات حتى منتصف العشرينيات،  وفي عام 1938م عينه حاكم البحرين المغفور له صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في مجلس وصاية لينوب عنه مع الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة اثناْ تأدية فريضة الحج، وكان سمو يلتقي بعدد من ضيوف البحرين من مندوبي الدول الشقيقة والأجنبية أثناء حضورهم إلى البحرين لتشاور بأمور الإقليمية والدولية.

رائد النهضة التعليمية  
وإلي جانب المناصب العديد التي تولاها سموه طيب الله ثراه، كان له الفضل الواسع والكبير في نهضة البحرين التعليمية، حيث أنه وفي عام 1919م شهدت البحرين بداية التعليم لأول مرة تأسست أول مدرسة نظامية حكومية في البحرين في عهد المغفور له صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين – طيب الله ثراه-، وعهد برئاسة المغفور له سموه الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة الدور القيادي الذي لعبه الرئيس الرسمي للإدارة للتعليم في البحرين وأثره في تأسيس مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق ، وهي أول مدرسة تعليمية للبنين في البحرين عام 1919م وأسندت إليه مهمة تشكيل إدارة، حيث شكل هيئة خيرية من مجموعة خيرة من رجالات البلد للإشراف على سير التعليم عرف باسم الإدارة الخيرية للتعليم، ومنذ ترأس سمو الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة حظى التعليم النظامي في البحرين باهتمام كبير عمل على تأسس أول مدرسة لتعليم البنات بالمحرق عام 1926م مدرسة الهداية الخليفية للبنات، ثم أطلق عليها مدرسة خديجة الكبرى، وفي عام 1929م افتتح أول مدرسة  للبنات بالمنامة أطلق عليها مدرسة الهداية الخليفية الأميرية للبنات تم تغير اسم المدرسة إلى مدرسة عائشة أم المؤمنين للبنات عام 1946م، وفي عام 1927م افتتحت مدرسة الجعفرية بالمنامة سميت فيما بعد المدرسة الإبتدائية الخليفية للبنين ثم المدرسة الغربية وأخيراً مدرسة أبوبكر الصديق، وفي نفس العام تم تأسيس مدرسة الحد والرفاع الشرقي وأطلق عليها مدرسة الهداية الخليفية، كما تم تأسيس مدرسة المباركة العلوية في منطقة الخميس، مدرسة الخميس للبنين حالياً، كما انشأ في عام 1936م التعليم الصناعي بفتح صفين دراسيين في مدرسة الغربية بالمنامة وفي مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق،وفيما بعد تم أنشاْ أول مدرسة الصناعة الحكومية بالمنامة وسميت "الكلية الصناعية في البحرين" ولاحقا المدارسة الصناعية المستقلة، وتخليداً لذكراه أطلق اسم سموه على مدرسة مدينة عيسى الصناعية في السبعينيات عند انتقالها من المنامة إلى مدينة عيسى  باسم مدرسة الشيخ عبدالله بن عيسى أل خليفة الثانوية الصناعية للبنين، ويذكران سموه سافر إلى بريطانيا لدراسة اللغة الانجليزية في أكسفورد وقد قضى هناك ستة أشهر في الثلاثينيات من القرن الماضي.
وعقد شهدت عقدي الخمسينيات والستينيات افتتاح مدرسة السلمانية في وسط مدينة المنامة، وافتتاح مدرسة النعيم الابتدائية للبنين التي أقيم تحت رعاية سمو الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة وزير المعارف بمعينة سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة ولى العهد وبحضور الأستاذ أحمد العمران مدير المعارف وعدد من المدعوين.  

كلية المنامة  
الإنجازات التي قام بها سموه طيب الله ثراه لا حصر لها، ومن بينها أنه في عام 1940م تم تأسيس أول مدرسة ثانوية كمرحلة أولى  للمدارس الثانوية في البحرين سميت "كلية المنامة" القريبة من القصر الملكي (قصر الشيخ حمد) بالقضيبية، وفيما بعد تم تغيير اسمه إلى المدرسة الثانوية للبنين وكانت هذه المدرسة تقدم وجبه واحده مجانا في اليوم مع توفير المواصلات لمدن وقرى البحرين، وفي عام 1951م برعاية المغفور له صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها ( 1942 - 1961م) وبحضور سمو الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة وزير المعارف تم افتتاح جناح من مبنى القسم الداخلي لمدارس حكومة البحرين ( السكن الداخلي) بجوار مدرسة الثانوية للبنين،لطلاب القادمين من مناطق بعيده من المنامة والطلاب القادمين من دول الخليج العربي. يتكون من طابقين الطابق الأرضي الإدارة وصفوف الدراسة والطابق العلوي سكن الطلاب والمدرسين والمشرفين. وغرف الجلوس والطعام، وفي منتصف الخمسينيات تم افتتاح مدرسة النعيم للبنين في منطقة السلمانية بالمنامة، وقد تشرف حفل الافتتاح سمو الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة وزير المعارف، بصحبة المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس المعارف بالنيابة، وتم تحت أشراف سموه تأسيس أول جمعية خيرية إنشائها تحت مسمى لجنة مساعدة الفقراء وكانت باكورة أعمالها إنشاء "ملجأ للأيتام " في عام 1935م لإيواء اليتامى بالإضافة إلى عاجزين من البحرينيين.  

بلدية البحرين
المسيرة المتميزة والمشرفة لسموه طيب الله ثراه تمتلئ بالعلامات المضيئة والساطعة في تاريخ البحرين، ومن أبرزها أنه تم إنشاء بلدية في البحرين عام 1919م بإنشاء بلدية المنامة الانطلاقة لتشكيل الدوائر الرسمية الحكومية في البلاد، حيث تشكل مجلس بلدي برئاسة الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة وعدد من الوجهاء لخدمة الوطن والمواطن، كل أنواع الخدمات المتنوعة الحكومية، وتعتبر وقتها بمثابة بلدية البحرين المركزي يمتد خدماتها لتشمل مناطق وقرى أخر خارج المنامة، وخلال الحرب العالمية الثانية قامت البلدية بتوفير وتوزيع المواد الغذائية على الأهالي في جميع مناطق البلاد، وكان بلدية المنامة تقوم بالعديد من المهام والمسؤوليات في ذلك الوقت القيام بتنفيذ العديد من المشاريع الإنشائية وتساهم في تغطية جزْ من تكاليف المشاريع الحكومية والتي أصبحت الآن موزعة بين الوزارات، وتم تشييد مبنى بلدية المنامة القديمة عام 1923م، وقد أزيل هذا المبني في الستينيات وشيد مبنى دار مبنى البلدية الجديد وهو المبنى الحالي عام 1962م، وأنشى بلدية الحد عام 1945م ثم بلدية الرفاع في بداية الستينيات.  

أول طيار  
الانجازات الوطنية المتعددة لسموه طيب الله ثراه يواكبها انجازات على الصعيد الشخصي والإنساني، إذ يعتبر المغفور له سمو الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة وابنه الشيخ محمد بن عبدالله آل خليفة أول بحرينيين يركبان طيارة، وسموه أول طيار بحريني في الجزيرة العربية برمتها، حيث قاد طائرة بدائية بعد أن تدرب أثناء تواجده في لندن عام 1919م، وأول من جلب السيارة إلى البحرين بعد عودته من أوروبا، وسافر سموه نيابة عن والده لحضور الاحتفال بيوم النصر في لندن بعد انتصار الحلفاء نهاية الحرب العالمية الأولى ، وكان برفقة ابنه الشيخ محمد بن عبدالله آل خليفة حيث شاركه وفود من مختلف دول العالم  بحضور الملك جورج الخامس ملك بريطانيا، وقام سموه ضمن الوفد البحريني مع شقيقه المغفور له سمو الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة لمنطقة القطيف بالمملكة العربية السعودية بدعوة من الإمام عبدالعزيز أل سعود لمقابلة وتهنئة بالانتصار.

الفروسية وركوب الخيل  
التحليق في سماء الانجازات كأول طيار بحريني وخريجي، تواكب أيضا مع الكثير من الهوايات المتميزة التي كان يختص بها سموه طيب الله ثراه، ومن بين أبرز هذه الهوايات كان سموه يعشق الفروسية وركوب الخيل والرحلات البرية الصيد بالصقور والقنص، كما شارك سموه رحمه الله في سباق الخيل إثناء زيارة جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية للبحرين في منطقة الصخيرعام 1939م. رافق شقيقه وولي العهد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في زيارة إلى بريطانيا عام 1925م، وقد أدى سموه عدة سنوات فريضة الحج وكان آخرها عام 1944م، وشرف سموه برعاية افتتاح مطبعة البحرين أول مطبعة في البحرين لصاحبة المرحوم عبدالله الزايد عام 1939م.

أمير عربي في نيويورك   
السفر للخارج في مهمات رسمية أو غير رسمية كان سموه طيب الله ثراه حاضرا يلقى بسمات وظلال شخصيته الفريدة على جميع من عرفهم والتقى بهم، ففي عام 1939م قام سمو الشيخ عبدالله آل خليفة في زيارة خاصة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأثناء تواجده في مدينة نيويورك التقى سموه بأحد مراسلين جريدة العلم المصرية، وفي مقالة تحت عنوان أمير عربي في نيويورك قال عنه: "رجل ربعه القوام متوسط العمر مهيب الطلعة يتجلى اللطف ومكارم الأخلاق في حديثه وفي حفاوة الولائية بضيوفه ولاسيما العرب منهم يخاطب محدثيه برزانة الشيوخ وحماسة الفتيان".                                                                 وأدى رحمه الله سمو الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة اهتماما كبيرا لرعاية أبناءه وحرص على التسلح بالعلم حتى يسهموا بدورهم في خدمة وطنهم، حيث ساهم في إرسال أول بعثة طلبة للدراسة من أبناء البحرين المبتعثين إلى الجامعة الأمريكية قي بيروت عام 1928م، كما تم تحت أشراف سمو إرسال بعثة طلبة البحرين إلى مصر في أوائل الأربعينيات، وكان رحمه الله يزورهم باستمرار ليطمأن عليهم والمتابعة لشؤونهم.

عم الحزن البلاد
حشود لا تنتهي من المشيعين شاركوا في تشييع جثمان الراحل وفي مقدمهم المغفور له صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها - طيب الله ثراه (1961- 1999م)،  وعدد كبير من أفراد العائلة الحاكمة الكريمة ووجهاء البلد وأعيانها وجموع كبير من المواطنين في موكب مهيب وقد يذكر أن عدد المشيعين الذين شاركوه في جنازة سمو الشيخ عبدالله بلغ أكثر من 3000 ألاف مشيع إلى مثواه الأخير في مقبرة المحرق مسقط رأسه لان الراحل من رجالات المحرق ارتبط مع هذه المدينة العريقة منذ ولادته، وعم الحزن البلاد، وتم إغلاق الأسواق والمحلاتوالدوائر الحكومية لمدة 3 أيام كما ألغيت إذاعة البحرين برامجها المعتادة واكتفت بإذاعة آيات من القران الكريم.
وختاما فقدت البحرين واحداً من أبرز رجالاتها المخلصين، حيث شاطر في تأسيس الدعامة الأولى للمعارف والبلديات قضى واخلص خلالها الراحل في العطاء، وكرس حياته وجهده لخدمة بلده وأهله، وادخل الكثير من الانجازات الحضارية الكبيرة على مدار السنين وسيظل رمزا ترك بصماته وأثاره على أهم مرافق الحياة في هذا البلد. رحمه الله وجعل الله الجنة مثواه.