العدد 4576
الأحد 25 أبريل 2021
banner
اختلاف موعد الإفطار في رمضان بين الشيعة والسنة
الأحد 25 أبريل 2021

أحد الأصدقاء من المتابعين لما أكتب اتصل بي بعد نشر مقالي الأسبوع الماضي حول الحرية الفكرية ساخطًا معاتبًا قائلًا بأنني أتجنب التطرق والتصدي للقضايا الأهم والأخطر التي تشظي وتمزق صفوفنا كمسلمين، وتنخر في عظام جسم أمتنا الإسلامية، وتكشف عن تفرقنا وانشطار صفوفنا واختلافنا في كل شيء، حتى في أبسط الأمور، مثل اختلافنا وعجز علمائنا عن الاتفاق على تحديد موعد موحد للإفطار بعد الصيام في شهر رمضان المبارك؛ مع أن أداء هذه الفريضة والاحتفاء بهذا الشهر الفضيل يعتبر من بين أهم ما أجمعت عليه فرق المسلمين ومذاهبهم، ومع ذلك فإن هذا الشهر الكريم صار يذكرنا في كل عام وفي مساء كل يوم من أيامه الفاضلة بواحد من أوجه الاختلاف بيننا التي نصر على الإبقاء عليه، وعدم محاولة إيجاد حل له، تعزيزًا لقيم الأخوة والتوحيد والاتحاد التي يدعو إليها ديننا الحنيف.

وفي الوقت نفسه أرسل لي هذا الصديق عن طريق (الوتسأب) رسالة تضمنت نصا أو عنوان فتوى أصدرها العلامة السيد محمد حسين فضل الله، الذي يحمل لقب آية الله عند الشيعة، وكان يعتبر واحدا من أكبر المراجع عندهم، يقلده أو يتبع فتاواه الملايين منهم، والفتوى التي أرسلها هذا الصديق تقول بكل وضوح “لقد أفتيت أن سقوط قرص الشمس كاف لتحقيق الغروب، لذا يجوز لنا أن نفطر في نفس الوقت سنة وشيعة”.

ثم قال هذا الصديق: لماذا تتجاهلون مثل هذه الرسائل ولا تشجعون مثل هذه التوجهات التي تعمل على توحيد المسلمين وتتصدى إلى واحدة من أبرز وجوه اختلافهم وتفرقهم؟

وفي رأيي، فإن هذا الموضوع قد أشبع بحثًا ونقاشًا من قبل، ولا يجب أن نعطيه أكثر مما يستحقه من اهتمام، ولعل أفضل أسلوب لمعالجته هو وضعه في أطره الصحيحة على قاعدة أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وضمن مفهوم أن اختلاف الآراء والممارسات من الظواهر الصحية المطلوبة التي تدعونا إلى الاعتزاز بإيماننا بقيم الاجتهاد والتنوع والتعدد التي تثري مجتمعاتنا وتعطيها المزيد من الرونق والبهاء.

من هنا يمكننا أن نفهم الحديث النبوي الذي أورده السيوطي والبيهقي وغيرهما في مصنفاتهم من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال: “اختلاف أمتي رحمة” مع أن كثيرا من العلماء والمحدثين قالوا بأن هذا الحديث “لا أصل له، ولكنه صحيح المعنى”، ورغم أن المفتي الشيخ عبدالعزيز بن باز نفى وجود هذا الحديث أيضًا، لكنه قال: “الاختلاف بين العلماء فيه مصالح للناس، وإن كان الاجتماع أفضل وأحسن”.

وما دامت تجمعنا نحن، معشر المسلمين، عقيدة التوحيد والشهادتين، ونتوجّه إلى قبلة واحدة، ويظللنا كتاب واحد، فإن اختلافنا حول بعض التفسيرات وبعض القضايا الجانبية أو الهامشية أو الشكلية، مثل الاختلاف في حدود دقائق معدودات، حول موعد الافطار في رمضان؛ لا يجب أن يشكل أو يتحول في أدمغتنا إلى هاجس مقلق يبعث على التذمر والاستياء والذعر، على اعتبار أن اختلاف المسلمين في طريقة أو أسلوب أداء أي من الفروض والطقوس، أو تباين وجهات نظرهم حول تفسير بعض نصوص القرآن الكريم، لا يقارن بحجم واتساع رقعة الخلافات والاختلافات القائمة بين فرق ومذاهب الديانات الأخرى، فالاختلافات بين فرق إخواننا المسيحيين على سبيل المثال لا الحصر اختلافات حادة وعميقة تصل إلى أسس وجذور العقيدة بما في ذلك تعريف الذات الإلهية، وتطال مختلف أوجه معتقداتهم، ما أدى إلى نشوب حروب دموية طاحنة بينهم استمرت حتى عهد قريب من تاريخنا المعاصر، أبرزها “حرب الثلاثين عامًا” بين الكاثوليك والبروتستانت التي عصفت بالقارة الأوروبية، ودارت رحاها من عام 1618 حتى عام 1648، وذهب ضحيتها أكثر من ثمانية ملايين قتيل، إلى جانب تدمير مناطق بأكملها وانتشار الفقر والمجاعات والأمراض، ومنها كذلك النزاع  المسلح في إيرلندا الشمالية بين الكاثوليك والبروتستانت أيضًا والذي دام لقرابة 30 عامًا أيضًا وانتهى في العام 1998.

أما قضية عدم الاتفاق على تحديد موعد موحد للإفطار في شهر رمضان بين السنة والشيعة، فإنها باختصار شديد ترجع إلى الاختلاف بين علمائهم في تفسير الآية الكريمة التي تقول: “ثم أتموا الصيام إلى الليل” إذ يرى جميع علماء السنة، أو غالبيتهم العظمى على أقل تقدير، بأن الليل يحل عند غروب الشمس، أو كما يطلق عليها أحيانًا غياب قرص الشمس أو سقوط قرص الشمس، بينما ينقسم علماء الشيعة، من المتقدمين والمتأخرين منهم، بين متفق مع تفسير علماء السنة ويجيز الإفطار عند غروب الشمس (من أبرز المتأخرين منهم المرجع الأكبر السيد محسن الحكيم والمرجع السيد محمد حسين فضل الله)، وبين من يفسر الآية على أساس أن الليل لا يحل عند غروب الشمس بل يحدث عندما يحل الظلام، وإلا لقال الله ثم أتموا الصيام إلى غروب الشمس، ومن أهم من يتفق مع هذا الرأي من الصف السني الصحابي أبو موسى الأشعري الذي يرى أن “حلول الليل يتحقق عندما تتشابك النجوم”.

ونتيجة لهذا الاختلاف بين علماء الشيعة، فإنك قد تجد في البيت الواحد، أو الأسرة الواحدة من الشيعة، وربما على سفرة أو مائدة إفطار واحدة، فرد يفطر مع أذان المغرب عند السنة؛ لأنه يتبع أحد المراجع الدينية التي تجيز ذلك مثل السيد محمد حسين فضل الله، والآخر يفطر بعده بـ 15 دقيقة مع أذان المغرب عند الشيعة؛ لأنه يتبع أحد المراجع التي توجب ذلك مثل آية الله العظمى السيد علي السيستاني.

نتمنى من الله العلي القدير أن يوحد كلمة أمتنا، ويسدد خطى علمائنا ويوفقهم ويهديهم سواء السبيل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية