العدد 4599
الثلاثاء 18 مايو 2021
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
من هنا ابتدأ المشوار
الثلاثاء 18 مايو 2021

منذ عشرين عاما، وأنا أمارس ذات الخطاب. مشروعي هو نشر الوسطية، ومنهج الاعتدال، وثقافة الحياة. كل علم درسته، قرأته بمنطق عقلي نقدي، لا أؤمن بصنمية المعرفة وجعلها تمثالا من دون الله.

أحمل مطرقة وريشة فن، مطرقة نقد لأي شيء يخالف العقل، كما هو الفيلسوف ابن رشد، ولو لقناعة شخصية، دون أن أفرضها على الآخرين، وريشة ألون بها الفكرة التي أؤمن بها.

درست الفلسفة كي أمارس النقد في الحياة، فكرا وسياسة واجتماعا. بدأت عندي عملية النقد، وأنا في عمر 26 عاما في مدينة (قم) عندما أصبت بصدمات معرفية وسياسية للواقع، وبسبب تسرب كتب فلسفية، تسللت إلى مكتبتي. أتذكر حينها، رحت أقضي كل يوم من سبع إلى عشر ساعات، وأنا أقرأ منقبا عن الحقيقة الوجودية، وكيف هي علاقة الإنسان مع الله عز وجل.

قرأت لنيتشه وفولتير وجان جاك روسو وديكارت وسيرة حياتهم... إلخ.

أصبحت أقرأ مفاهيم جديدة، تختلف عما كنت أقرأه وأسمعه، وهنا بدأت تتساقط الحجارة عن الإسمنت العقلي الذي كنت أرى فيه الوجود. إن الجنة فقط للمسلمين، أو إن العالم الغربي عبارة عن شيطان، ولا إيجابية فيه، وإن كل نظام ليس دينيا هو نظام شيطاني، وإن الموت أفضل من الحياة، وإن ((الدنيا سجن المؤمن وجنة المنافق)) التي فهمت خطأ من المفسرين. رحت أنقب في الأحاديث بـ ((فلتر نقدي)) لكل الأديان، فاكتشفت الجميل منها، والآحاد والضعيف والمتواتر... إلخ، فعرفت كثيرا من التفاسير هي تفاسير بشرية محكومة بمدى عمق المفسر. انتقلت إلى كتب سيد قطب وتفسيرة ((في ظلال القرآن ))، والمودودي. وحضرت دروس علماء كالشيخ حسن الجواهري في منتدى جبل عامل، والسيد الشاهرودي، وبعض الحلقات ودروس القرآن والأخلاق عند الشيخ محمد مهدي الآصفي، حضرت لهم لكن بعقل نقدي ديكارتي.

حصلت على ((Satellite)) من شخص عراقي في طهران، وبقيت لليال، وأنا أبحث عن أفكار خارج الصندوق، وكنت مقتنعا بالعودة لوطني بعد عشر سنوات من معاناة مكابرة غربة مؤلمة، إلى أن تقلد جلالة الملك مقاليد الحكم، وانبثاق ميثاق العمل الوطني. رحت مسرعا للسفارة في طهران مصوتا بنعم، رغم معارضة كثير ممن كانوا معي من الطلبة وعلية القوم في قم. رأيت في التلفاز الزيارة الميمونة لجلالة الملك لمنطقة سترة، ورأيت جلالة الملك، وهو يبعث الأمل، وكيف يوزع النور على الناس عبر مشروعه الإصلاحي، وكان يدور في خلدي، كيف كانت علاقة بعض فلاسفة ومثقفي الغرب مع قادتهم الحكماء، فقلت في نفسي، إن رجعت للوطن، سوف أحارب بكل أسلحة المعرفة، والواقعية السياسية الوطنية، وبحب وولاء وبشفافية ووضوح في الدفاع عن المشروع الإصلاحي، وعن هم الناس بكل وطنية؛ لأني قرأت في المشروع حياة.

ورجعت البحرين، قبلت ترابها عند خروجي من المطار، وأخذت على نفسي عهدا، أن أدافع عن التنوير، وعن الإصلاح، وأن أنور الشباب من تجربتي المؤلمة في غربة حولت القلب إلى شظايا مبعثرة على شغاف القلب، وأن أنقذ أي إنسان، وألا يقع في أخطاء الانفعال الوجودي، الذي وقعت فيه بسبب قلة الخبرة وهياج الشباب وإغراء الشعارات، واضعا يدي بيد جلالة الملك في الدفاع عن المشروع الإصلاحي وحب الوطن، مدافعا عن الحُكم والوحدة الوطنية والناس. ومنذ عشرين عاما، وأنا أدافع، لا يوقفني شيء، خطابي شفاف كدمعة وكقطعة كرستال. وبقيت أطرح الثقافة التنويرية كمنهج. مشيت على حد السكين، وفي يدي مصباح، وعيني يسكنها قناص، أخرج كل صباح لاصطياد الجمال، أكان كتابا أو قطعة ثياب أو لوحة فنية أو ديكور ساحر، أو موسيقى رائعة أو بلدا جميلا، ورحت مسافرا في كل العالم أبحث عن قطع مبعثرة في العالم لأكمل لوحة الحقيقة المقطعة والموزعة على الكرة الأرضية.

احتضنتني باريس، ونمت على ذراعها لسنين لأخفف غربة مركبة. كنت أعلم أن بعض الجماهير ستبرمج ضد خطابي، وتتوتر، لكني آثرت أن أخدم الناس حتى المضللين ليوم ما سيكتشفون أني أبحث عن سعادتهم ومصلحتهم، لذلك صرخت مع المشاركة النيابية ضد المقاطعة في كل المراحل، ورفضت (الربيع العربي)؛ لأني أعلم من خلال خبرة الوجع أنه مصيدة للأوطان، والشباب الضائع. وكنت أفتح ملفات تمس النبض وأدافع بوطنية واعتدال وبضمير وقلب ينبض بحب المشروع الإصلاحي والوطن والناس.

ومنذ تشريع قانون العقوبات البديلة، وأنا أدافع عنه؛ لإنقاذ أي شاب ذهب ضحية شعار قاتل ومضلل لأمنحه فرصة الاندماج في الوطن وحب القيادة وبناء الوطن، فلامست أوجاع الأمهات بخطابات صوتية وفيديوهات ونصوص ومقالات ومازلت مستمرا، لصناعة أمل. وكلما أنقذت شابا كلما كانت سعادتي الكبرى؛ لأني أجد الإنسانية هي فلسفتي في الوجود؛ لأني مؤمن بإله الحب والجمال والإنسان.

من يقترب من جلالة الملك يعرف نبض حبه للناس، وتطلعاته لبناء وطن كبير، وسعادته عندما يرى كل مواطن سعيدا. المشروع الإصلاحي لم يعط فرصة، وهو في المرحلة الجنينية والقنوات والمنظمات والشخصيات تحاول إجهاضه وتشويهه بكل الصور. صدقوني، المشروع يحتاج إلى رجال وطنيين ووسطيين، ولا يؤمنون بالقفز السياسي وحرق المراحل. قفوا مع المشروع، وسترون بأم العين أن أجمل الأيام يوم لم يأت بعد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية