تأمل معي: تمضي بنا الأيام في سرعةٍ مذهلة وسط تغيرات عديدة، لا شيء يُرضينا! والمدى بعيدٌ جداً عما نحلمُ به، أو ما نعتقد أنه غاية سعادتنا، إنْ وصلنا إلى تلك الغاية فسرعان ما نركضُ نحو الغاية الأخرى، ولا هداية تامة إلى رضا النفس مهما بلغت.

الرحالة “إيدي ريكيبنيكر” تعرّض هو ورفاقه إلى حادث مفاجئ في المحيط الأطلنتي أثناء مغامرة بَحْرية، وظلوا ما يقارب واحداً وعشرين يوماً تدفعهم المياه، متشبثين بلوح خشبي أملاً في الوصول إلى اليابسة، قال بعد أن نجا من ذلك الحادث: إن أكبر درس تعلمه من تلك التجربة أنه إذا توافر للإنسان ماء عذب وطعام؛ فلا يحق له أن يشكو من أي شيء.. يا لها من حكمةٍ بالغة.

تأمل معي: يحدثُ كثيراً أن تصادف في حياتك أُناسًا مقتنعين تماماً بفكرة “لا نستطيع” مهما بذلت من جهد لإقناعهم بخطأ اعتقادهم! فيمضي حال الواحد منهم على ما هو عليه بغير نتيجة مأمولة، ما لم يقُمْ هو بجهدٍ وافر لتصحيح قناعاته في المقام الأول. التغيير إن لم يحدث من داخلك لن تستطيع إنجاز شيء. اقرأ هذه القصة الحقيقية لتتضح لك الفكرة: كان أحد المعلمين المعروفين بالنباهة والفطنة يستعد لحصته التي سيحضرها مشرفون تربويون لتقييمه - كما هي العادة في العمل التدريسي -، وبينما كان المعلم مندمجاً في شرح القاعدة النحوية؛ قاطعه طالب بصوتٍ عالٍ قائلاً: “يا أستاذ، اللغة العربية صعبةٌ جداً، ولا طاقةَ لنا بها”، عندها صاح بعض الطلبة مبدين تأييدهم لما قاله زميلهم! لا شك أنه موقف صعب على معلم يقف أمام مشرفين تربويين لغرض التقييم التربوي.. لم يرتبك المعلم! وتعامل بكل أريحية مع ملاحظة الطالب، وتبسم قائلاً: “حسناً، لا درس اليوم، فسأقدم عوضا عن الدرس لعبة”، فرِح الطلاب حينها، رسم المعلم على السبورة زجاجة ذات عنق ضيق بداخلها دجاجة، وقال: “من يستطيع منكم إخراج هذه الدجاجة من الزجاجة دون كسرها ودون أن يتسبب في قتل الدجاجة؟ وله مني جائزة”، شرع الطلاب جميعهم في المحاولة دون جدوى، والمشرفون التربويون في ترقب ومتابعة لما يجري، حينها صرخ أحد الطلبة قائلاً: “يا أستاذ لقد تعبنا! ومن أدخل الدجاجة داخل الزجاجة يستطيع أن يخرجها”، ضحك الطلاب على تعليق زميلهم، لكن المعلم أكد لهم أنه بالفعل قد أصاب في الجواب، “وكذلك أنتم! فأنتم من أدخل في أذهانكم فكرة أن اللغة العربية صعبةٌ عليكم، وأنتم الوحيدون القادرون على إخراجها من عقولكم، ومهما حاول الآخر إثبات العكس لن يقدر”. استطاع هذا المعلم الفطن توصيل درس بالغ الأهمية بأسلوب تربوي صحيح.