العدد 4645
السبت 03 يوليو 2021
banner
التغيًر المناخي وتأثيره على الاستقرار العالمي
السبت 03 يوليو 2021

في عام 2011 ضربت مجاعة الصومال، ما أدى إلى مقتل ربع مليون شخص، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن وجود مجاعة في منطقة القرن الأفريقي منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً، وذلك نتيجة عدم سقوط الأمطار الموسمية التي يعتمد عليها الصوماليون في الزراعة وتربية الماشية، وقد أوعز المتخصصون الكارثة إلى التغيًر المناخي نتيجة تغيّر درجة حرارة المحيط الهندي، ما أدى إلى عدم تكون الأمطار الموسمية على القرن الأفريقي، وبالتالي أدى إلى جفاف وانحسار الأراضي الزراعية التي تعتمد على الأمطار في معظم العمليات الزراعية وحصول مجاعة شملت معظم البلاد.

ويعتبر التغير المناخي السبب الرئيسي لتقلبات الطقس وارتفاع مستوى البحر وذوبان الثلج في القطبين الشمالي والجنوبي، ومن أهم ظواهر التغير المناخي ما يعرف بـ "ظاهرة الاحتباس الحراري"، وهي ناجمة عن عملية حرق النفط، الغاز الطبيعي والفحم أو ما يسمى بالوقود الأحفوري، بالإضافة إلى الغازات الأخرى، وهي من أكثر الانبعاثات الغازية السامة إضرارا بالبيئة والإنسان على حد السواء، ويعتبر غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن عملية الاحتراق المسؤول بنسبة كبيرة عن ظاهرة الاحتباس الحراري بما يمثل 77 % من الانبعاثات، ويليه غاز الميثان الذي يشكل 14 % من تلك الانبعاثات ويتبعهما غاز النيتروز بنسية 8 % منها، وتعرف ظاهرة الاحتباس الحراري بعملية تسمح فيها هذه الغازات لحرارة الشمس بالمرور عبرها إلى الأرض ولا تسمح للحرارة من الأرض بالانتقال إلى الفضاء الخارجي، وهذا الفعل يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض والتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري.

في عام 2016 أصبحت ظاهرة التغيّر المناخي القضية الأولى والأهم على جدول الاجتماعات الأممية والدولية، كما كشف تقرير المخاطر العالمية لنفس السنة أن خطر الفشل في الحد من ظاهرة التغير المناخي والتكيف معه، يشكل أبرز المخاطر على النظام العالمي متفوقاً على خطر أسلحة الدمار الشامل وخطر أزمة المياه والهجرة القسرية وانخفاض أسعار النفط، وأصبحت ظاهرة الاحتباس الحراري مؤثرة على قطاعات حيوية للدول وعلى الاقتصاد العالمي ككل، بسبب الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية في قطاع الزراعة والصناعة، ما سبب تفاقم العديد من المخاطر مثل نقص المياه والغذاء ورفع معدلات المخاطر الأمنية الاجتماعية، كما يهدد الإنتاج الزراعي العالمي الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وبالتالي ارتفاع معدل التضخم، كما أن تغير المناخ سيكون أكثر حدة على اقتصاديات الدول النامية التي تعتمد بشكل أساسي على قطاعي السياحة والزراعة، وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الدول النامية ستتحمل حولي 75 % - 80 % من تكاليف الأضرار الناجمة عن تغيّر المناخ، وأن الخسائر والأضرار المرتبطة بتغيّر المناخ ارتفعت من الثمانينات في القرن الماضي من 50 مليار دولار إلى نحو 200 مليار دولار خلال العقد الماضي ومن المتوقع أن يصل الضرر في عام 2100 إلى 1.7 تريليون دولار.

وأظهرت التقارير البيئية أن التغيرات المناخية بسبب الاحتباس الحراري إذا ما استمرت على حالها، ستؤدي إلى ارتفاع حرارة الأرض درجتين مئويتين، ما يتسبب بانخفاض معدلات الأمطار في حوض البحر المتوسط ومناطق من جنوب أفريقيا وجنوب أميركا، كما أن عدد دورات الجفاف ستزداد بأربعة أمثال ما هي عليه حالياً، وستفقد العديد من المناطق التي تعتمد على المياه الناجمة من ذوبان الثلوج انتظام مواردها المائية بسبب سرعة ذوبان كميات كبيرة، ما ينتج فيضانات وشح للمياه في أوقات أخرى، كما يؤدي إلى ارتفاع منسوب مستوى البحر مما يعرض كثيرا من الدول الجزرية إلى خطر الإغراق والاختفاء، وقد تتأثر مناطق من الهند والصين وغرب أوروبا وغرب الولايات المتحدة وبعض المناطق في كندا بنقص حاد في الموارد المائية، كما ستتأثر دول الشرق الأوسط وقارة أفريقيا بتناقص في خصوبة الأراضي ويؤدي ذلك إلى انخفاض الإنتاج الزراعي بنسبة 25 % - 35 %.

إن دول العالم مطالبة اليوم وخصوصا الدول الصناعية، منها الصين والولايات المتحدة الأميركية والهند وروسيا والاتحاد الأوروبي واليابان الذين ينتجون أكثر من 80 % من الانبعاثات الغازية، بتفعيل تعهداتها بالنسبة إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية، مروراً بأول مؤتمر عقد في مدينة ستوكهولم بالسويد وانتهاء باتفاقية باريس للمناخ، ومطالبة أيضاً بتثبيت تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون تدخل خطير في النظام المناخي، على أن يتم بلوغ هذا المستوى في فترات زمنية كافية تمكّن النظام الآيكولوجي التكيف بصورة طبيعية مع تغيّر المناخ، وتضمن عدم تعرض مصادر المياه وإنتاج الغذاء للخطر، ما يسمح بالمضي قدماً في التنمية الاقتصادية المستدامة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .