العدد 4647
الإثنين 05 يوليو 2021
banner
“السيد هاشم” يترجل...
الإثنين 05 يوليو 2021

ينتقص خطّ الحياة ولا يكتمل دون وجود الأحبة، فهُم الأنس والسعادة اللذان يُعتدّ بهما دون تقبلٍّ عند محين الفراق والفقد إلى حيث يعتصر القلب حرقةً وألماً، بعد رحيلٍ قد آمن بقضائه ورضيَ بقدره حتى يُصيّر الموت سنّة هذه الحياة بإذن الخالق على أناسٍ اعتصرت قلوبهم شوقاً ولهفة لذلك الرحيل الذي يُسكن النفوس المفجوعة حزناً، ويترك الخلاّن المكلومة نازفة وسط أجواء الخطب المؤلم والحدث المُوجع والأمر المَهول؛ بثقلِ الأنكاد وعبءِ الأكدار، لنارٍ تستعر، وقلبٍ يحترق، وعضُدٍ يُفت لأحبةٍ توسّدت أجسادهم الثرى.

أبدع الباري بحكمته خلق الدنيا بعد أنْ جعلها دار الفناء بزينتها السّراب، ومستقر الزوال بعمرانها الخراب، التي إنْ أضحكت أبكت وإنْ أسرّت أحزنت وإنْ أراحت أتعبت، حيث لا تصفو لأحد ولا تدوم على حال، فكل حيّ فيها يموت وكل مخلوق عليها يفنى حين يُبتلى فيها الإنسان بالمصائب ويُمتحن بالأقدار المؤلمة التي تتعاظم عند الموت وفقد الأحبة، ولاسيّما الوالدين اللذين تزداد بهما الروابط ترسّخاً بالفطرة والصفات بالوراثة والوشائج بالاجتماع والمنطلقات بالاعتقاد في مسالك الحبّ الغريزي وتشكيل الشخوص على تعليم القيّم السامية واكتساب السلوكات المُوجَبَة وتحمّل الوافر من الشقاء في الرعاية والعناية والمسؤولية والحماية والإحاطة بالعطف والحنان الذي لا ينضب.

الأب باعتباره أحد الركنين، يسمو بدوره العظيم الذي لا يُمكن لأحدٍ أن يسدّ محلّه عند فقدانه، حيث يتخلخل حينها البيت بأعمدته وتفقد الخيمة أطنابها حتى يضعف الدرع الحامي الذي يذود عواصف الأيام ويحمي غدر الحياة ويقي تقلبات الزمان. هذا الأب الذي نحن بصدده وأجمع على حبّه الكبير والصغير والقريب والبعيد في قريته الوادعة جنوسّان – إحدى قرى المحافظة الشمالية بالبحرين - يترجل بعد أنْ ترك إرثاً كبيراً من الحبّ ورصيداً هائلاً من الاحترام ليتبوّأ المكانة التي تليق في القلوب بدماثة الخلق وسمو المشاعر ونُبل التواضع.. “السيد هاشم” هو الذي جعل من الابتسامة والبشاشة والسماحة مفتاح الدخول إلى قلوب أبناء قريته وزملاء عمله وجيران حيّه الذين أقبلوا عليه مُجتمعين وتقرّبوا إليه مُنجذبين ليحضوا منه بودٍّ وحبّ صادقين.. “السيد هاشم” الذي أُودع الحُفرة الضَّيقة بعد صعود روحه إلى السماء الفسيحة، هو مَن راهنَ على حبّ الناس وعمله الصالح الذي بات أنيسه ورفيقه وجليسه ومُزيل وَحشته في وحدته.

نافلة:

سُئل الإمام علي (ع): هل هناك شيء أعظم من الموت؟ قال: نعم فراق الأحبة! وما أعظم وفاء الأحياء لأحبةٍ لهم تحت التراب، سبقونا إلى أول منازل الآخرة وتركونا بين الحنين والأنين، وفاء نَذْكُرُهُم فيه بدعوة تُجافي الأرض عن جنبيهم وتُنّقيهم من الذنوب وتُخلصّهم من الخطايا وتأنس وحشتهم وتُنير ظلمتهم وترحم وحدتهم وترفع درجاتهم وتجعل قبورهم روضة من رياض الجنة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .