+A
A-

السودان...النيابة ترفض دخول فريق دولي لمشرحة مثيرة للجدل

اثار قرار النيابة العامة السودانية بمنع فريق طب عدلي دولي زائر لإحدى المشارح المكدسة بأكثر من 198 جثمانا، جدلا كبيرا في الشارع السوداني، فما حقيقة القصة؟

أكدت المحامية وعضو لجنة المفقودين إقبال علي لموقع "سكاي نيوز عربية" إن ممثلو النيابة العامة منعوا الأربعاء وفدا دوليا يضم عدد من المختصين في مجال الطب العدلي من دخول مشرحة مستشفى التميز في وسط الخرطوم والذي تتكدس فيه جثامين مجهولة ورفاة لضباط أعدمهم نظام البشير في العام 1990.

وقالت علي إن زيارة الوفد جاءت بتنسيق مع النائب العام السابق، والتقى خلال زيارته بوزير العدل نصرالدين عبدالباري وزار عدد من المقابر الجماعية ونظم ورشة عمل وعدة لقاءات.

واعتبر قانونيون ومراقبون رفض النيابة العامة دخول فريق طب عدلي دولي زائر إلى إحدى المشارح المكدسة بعشرات الجثامين المثيرة للجدل؛ محاولة لإخفاء حقيقة مقتل المئات من السودانيين خلال فترة حكم المعزول عمر البشير وبعد الإطاحة به بثورة شعبية في أبريل 2019؛ لكن النيابة العامة بررت الرفض بعدم علمها المسبق بالزيارة.

علم مسبق

وفقا للمحامية إقبال علي، فإنهم تفاجأوا برفض النيابة العامة دخول فريق الطب العدلي لمشرحة التميز والذي كان ضمن برنامج عمل زيارة الفريق للسودان.

وقالت علي لموقع سكاي نيوز عربية إن الزيارة كانت بعلم مسبق من السلطات وبدعوة من النائب العام السابق بهدف الوقوف على نظم العمل وتقييمها لسد النواقص والثغرات، وبطلب من لجنة التحقيق في جريمة إعدام ضباط 28 رمضان الذين أعدمهم نظام المعزول البشير بطريقة وحشية في العام 1990.

وأشارت علي إلى أن اللجنة طلبت من الخبراء الاطلاع على رفاة الشهداء المحفوظة بمشرحة التميز للمساعدة في استخلاص وفحص البصمة الوراثية.

وتساءلت علي عن أسباب الرفض وعن الشيء الذي تجتهد بعض الجهات لإخفائه في مشرحة التميز المثيرة للجدل. وشككت علي في قرار النائب العام المكلف الذي ألغى اللجان السابقة وشكل بموجبه أربعة لجان تشريح جديدة؛ على رأس كل لجنة منها أحد أطباء الطب العدلي الأربعة المتواطئون على تزوير التقرير الأول لتشريح للناشط "ود عكر" الذي اختفى في أبريل الماضي؛ وأعيد تشريحه بعد حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.

تبرير النيابة

من جانبها، اكدت النيابة العامة أن أبوابها مشرعة لكل راغب في مساعدة الشعب السوداني عبر بوابة العدالة كضلع مهم من أضلاع البناء المؤسسي للدولة المدنية.

وقالت في بيان إنها لم تتلق اخطارا من قبل أي من مؤسسات الدولة بقدوم الوفد، كما لم تتلق أي اخطار من الوفد بنيته زيارة السودان من باب العلم فقط؛ مشيرة إلى انها علمت بقدوم الوفد مثلها والعامة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وذكرت النيابة أنها لم تتلق ما يفيد بماهية الوفد وتبعيته لأي دولة أو منظمة، أو الجهة التي ينتمي إليها وتخصصه وطبيعة زيارته للسودان. 

زيارة مرتبة

ردا على تبرير النيابة العامة رفضها دخول الفريق الدولي لمشرحة التميز بأنها لم تتلق إخطارا من قبل أي من مؤسسات الدولة بقدوم الفريق؛ قالت سمية ابنعوف عضو لجنة المفقودين ووالدة المفقود إسماعيل التجاني؛ لموقع سكاي نيوز عربية؛ إن النائب العام المكلف أبلغ قبل يومين من وصول الوفد الدولي ببرنامج الوفد وجدول زيارته.

واستغربت ابنعوف الطريقة التي منع بها الوفد من الدخول إلى مشرحة التميز التي تدور شكوك كبيرة حول الجثامين المكدسة بها والتي تم بالفعل اكتشاف بعض جثامين المفقودين بينها ومنهم جثمان الناشط ود عكر الذي اختفى في أبريل الماضي.

ورات ابنعوف أن منع الفريق من زيارة المشرحة يؤكد كافة الشكوك التي تدور حول سعي بعض الجهات لإخفاء الحقيقة.

وأضافت أنه ما من سبب مقنع لعرقلة عمل فريق دولي بهذه الأهمية للمشارح التي تحتوي على الأدلة اللازمة للكشف عن الحقيقة التي ظل ينتظرها الشعب السوداني لأكثر من سنتين.

وقالت ابنعوف إنها وبوصفها ممثلا لأسر المفقودين وعضو في لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص المختفين قسريا، فإن مهمتهم تتمثل في أن يكونوا عينا للمجتمع داخل اللجنة ومتابعة ومراقبة شفافية عمل اللجنة.

وأكدت أنهم سيواصلون جهودهم من أجل التوصل إلى الحقيقة بكل الوسائل بما في ذلك الاستعانة بالخبراء الدوليين المتخصصين.

جاءت زيارة فريق الطب العدلي الدولي للسودان في وقت تتزايد فيه مطالب الشارع السوداني بضرورة كشف الحقائق عن العديد من الجرائم التي ارتكبها نظام البشير وتلك التي ارتكبت بعد الثورة.

وفي يونيو 2020، أعلنت لجنة قانونية العثور على مقابر جماعية يرجح أنها تضم جثامين أكثر من 25 شابا يعتقد أن أعمارهم تتراوح بين 14 و35 عاما فقدوا بعد فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو 2019.

وهي تلك الجريمة التي قتل فيها المئات من الثوار ولا تزال لجنة للتحقيق فيها تعمل ببطء ولم تصدر تقرير حولها رغم مرور أكثر من 20 شهرا على تشكيلها مما اثار شكوكا كبيرة في الشارع السوداني.

وتزايدت تلك الشكوك أكثر بعد العثور على 198 جثة مكدسة في مشرحة صغيرة بإحدى المستشفيات في وسط الخرطوم؛ ويقول ناشطون إنها تضم عددا من جثامين ضحايا مجزرة القيادة والمفقودين خلالها وفي احداث لاحقة.

وبعد شهر من اكتشاف المقبرة الأولى أي في يوليو 2020؛ تم العثور على مقبرة جماعية أخرى رجحت معطيات البينات إلى أنها تحوي جثامين 28 ضابطا قتلهم نظام البشير في نهاية رمضان من العام 1990.

وقالت النيابة العامة السودانية في بيان في ذلك الوقت إنها تمكنت من العثور على مقبرة جماعية؛ تشير البينات إلى أنها من الراجح ان تكون هي المقبرة التي وريت فيها جثامين الضباط الذين تم قتلهم ودفنهم فيها بصورة وحشية".

وفي منتصف 2020 تم اكتشاف مقبرة جماعية أيضا لجثث يعتقد أنها تعود لضحايا ما عرف بـ "مجزرة العيلفون" والتي وقعت في الثاني من أبريل من العام 1998؛ مجسدة واحدة من أكبر الجرائم في التاريخ السوداني والتي راح ضحيتها أكثر من 100 شاب من مجندي الخدمة الوطنية الإلزامية، متوسط أعمارهم 16 عاما، قتلوا جميعهم على يد عناصر أمنية موالية لنظام البشير أثناء محاولة الهرب من معسكر للتدريب على أمل حضور عيد الأضحى مع أهلهم.

ويشير الكاتب الصحفي مامون الباقر إلى ان الشارع السوداني كان يأمل في أن تحقق زيارة الوفد الدولي دفعة للأمام في طريق تحيق العدالة خصوصا أنه وحتى الآن لم يتم الكشف عن الحقائق الكاملة عن تلك المقابر والجثث الجماعية مما دعا الكثيرين لطلب مختصين من الخارج.

وقال الباقر لموقع سكاي نيوز عربية إن واقعة منع الفريق من دخول مشرحة التميز تثير الكثير من الأسئلة وتفتح الباب أمام المزيد من الشكوك حول مسار ملف العدالة المتعثر في البلاد.

ويرى الباقر أن السؤال المهم الذي يحتاج إلى إجابة يتمحور حول قول النيابة العامة بأن لا علم لها بالزيارة إلا من خلال الوسائط رغم لقاء الوفد بوزير العدل والتنسيق مع لجنة المفقودين التي تعتبر جزءا من تشكيلات النيابة العامة.