العدد 4665
الجمعة 23 يوليو 2021
banner
“ندخل نصرخ إنها الحياة.. نخرج نصرخ إنه الموت”
الجمعة 23 يوليو 2021

الموت والفناء يترصدنا في كل خطوة من خطواتنا، وكما يصف الفلاسفة الوجوديون بأننا نحمل موتنا داخل أنفسنا، كما تحمل الأم جنينها داخل أحشائها، ومنذ أن يولد الإنسان يكون بالفعل في شيخوخة الموت، ولكل أديب ومفكر وفنان نظرة خاصة عن الموت كل حسب فهمه وفلسفته، لكن أجمل ما قرأت عن وصف وتخيل الموت هو ما قاله عبقري المسرح العظيم الفرنسي “يوجين يونيسكو” في إحدى مقابلاته.

يقول “يونيسكو” “لقد وصفت ما أحس به من انفعال عندما أشهد الجنازات التي كانت تمر تحت بيتنا وكيف كنت أسأل أمي.. ماذا يعني أن يموت إنسان. فكانت تجيبني بقولها: يموت لأنه كان مريضا، وفهمت أن الإنسان يموت لأن حادثا يقع له، وأن الموت ما هو إلا حادث، وظننت أن الإنسان يستطيع أن ينجو من الموت، لو اعتنى بصحته، وتجنب السيارات، واعتنى بتغطية نفسه، لكنني كطفل اكتشفت فيما بعد أن الإنسان يشيخ أيضا، وتخيلت الإنسان يكبر ثم ينحني وأن ذقنه يبيض ويشتد بياضا، وأنه يزداد انحناء يوما بعد يوم، فكنت أصيح في نفسي: إن هذا مستحيل.

وذات يوم، صحت في أمي قائلا.. قولي الحقيقة؟ هل نموت جميعا وأجابتني بالإيجاب، مازلت أذكر هذا المنظر.. كنت في الخامسة أو أكاد، وكنت جالسا القرفصاء. وكانت تقف أمامي، وقد أسندت يديها وراء ظهرها واستندت على الحائط، ووقفت دون أن تستطيع أن تفعل لي شيئا.. لأنني انفجرت باکیا، لقد أصابني خوف فظيع، سوف تموت أمي كذلك، سوف أفقدها، لكن فجأة بدأت الأفكار تخف عندما ابتعدت عن أمي، وعشت في الريف، سنوات ثلاث. بعد ذلك وكنوع من الهروب من القلق قررت أن أعيش حاضري ويومي فقط، واملأ يومي بالشوق والبهجة.

وليس هناك أروع من هذه المقولة التي وجدت منحوتة أسفل آنية قديمة “ندخل، نصرخ.. إنها الحياة، نخرج، نصرخ.. إنه الموت”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .