+A
A-

بعد المياه.. الخبز عنوان أزمة جديدة في إيران

لم تنته بعد الاحتجاجات التي خرجت رفضا لسياسة "التعطيش" ضد العرب في إقليم الأحواز العربي بإيران، حتى بدأت بودار أزمة جديدة وهذه المرة في الخبز.

ويبدو أن المواطنين الإيرانيين سيعانون من نفاذ مادة الخبز، الذي ستتوفر كميات قليلة وبأسعار باهظة مقارنة بمداخيل المواطنين الإيرانيين.

وجاء ذلك بعد الكشف عن توجهات حكومية وسياسية استراتيجية لرفع الدعم عن الطحين وبقية مُستلزمات صناعة الخبز.

الأسعار ارتفعت في كل إيران

وكان فرع "اتحاد الخبازين التقليديين" في العاصمة الإيرانية طهران، التي تضم أكثر من ثمانية آلاف مخبز محلي، أعلن عن رفع سعر الخبز الذي كان مدعوماً من الحكومة.

قرار الاتحاد جاء بعد عدد من القرارات غير المُعلنة من حكومة، الرئيس حسن روحاني المنتهية ولايته، لرفع أسعار المواد الخاصة بالخُبز، خاصة القمح والخميرة والمحروقات.

وما اتخذته النقابة في طهران تم تنفيذه في جميع مناطق إيران الأخرى تقريبا.

وكتب رئيس نقابة الخبازين الإيرانيين في مقاطعة"كرج" القريبة من طهران على حسابه في موقع "تويتر" إن مختلف أنواع الخُبز في المحافظة صارت تُباع بنسبة تصل لـ50 بالمئة مما كانت عليه قبل أيام.

والأمر نفسه حدث في محافظات أصفهان ومشهد وبندر عباس، حيث تعتمد المُدن الكُبرى على مُشتريات الخُبز اليومية.

تسريبات حكومية

وكانت الحكومية الإيرانية قد سربت منذ أوائل العام الحالي معلومات تُشير إلى إمكانية رفع أسعار الخبز المدعوم من الضعف إلى الثلاثة أضعاف، معتبرة بأن الأسعار الجديدة ستكون بمثابة الأسعار القديمة، بعد التراجع الهائل لقيمة العملة المحلية الإيرانية.

ورفض كثير من الإيرانيين هذا الأمر مذكرين بأن رفع الأسعار هو جزء من تراجع الحكومة عن التزاماتها الحمائية للمواد الأساسية، مثل الخبز والماء والسكر والكهرباء.

وفي عودة إلى الأدوات التقليدية للنظام الإيراني التي تركز على تبادل الأدوار، أعلنت وسائل الإعلام المُقربة من المُرشد الإيراني معارضته للسياسات الحكومية الراهنة، مثلما أعلنت مجلة "الاقتصاد بوايا" المقربة من مؤسسات المُرشد قبل أيام.

وكتبت المجلة:" كانت هناك شائعات حول زيادة سعر الخبز، لكنه الخط الأحمر. لا يمكننا أن نمزح بخبز الناس، لأن الخبز هو أحد الأطعمة الرئيسية للشعب الإيراني، وإذا حدث ذلك، فمن المؤكد أنه سيؤدي إلى انفجار اجتماعي".

 حاجة الحكومة لموارد جديدة

المحللون الاقتصاديون الإيرانيون فسروا مساعي الحكومة الإيرانية بزيادة أسعار الخُبز لخلق موارد مالية يومية دورية، تستطيع أن تستخدمها لأجل السيطرة على التضخم الذي يصيب بقية المواد الضرورية في البلاد.

لكنهم أشاروا إلى أن هذه الهبة ستكون الثالثة على التوالي التي تصيب المواطنين الإيرانيين في معيشتهم خلال عشرين شهراً مضى، فقد رُفعت أسعار المحروقات خلال أواخر العام 2019، مما خلق انتفاضة شعبية وقتئذ، مما أوقع مئات الضحايا.

وبدأت أزمة مياه الشرب والزراعة منذ أوائل العام الحالي، واشتدت وقائعها في الأيام العشرة الأخيرة مع خروج احتجاجات غاضبة في الأحواز رفضا لتحويل مسار الأنهار عن المنطقة ذات الغالبية العربية، بما يهدد بالقضاء على الزراعة الي تشكل مصدر دخل غالبية السكان هناك.

الأزمة الثالثة

ويبدو أن أزمة الخبز ستكون الثالثة التي تضرب الإيرانيين، وربما لا يكون النظام قادرا على السيطرة عليها.

الباحث الاقتصادي الإيراني في "مركز سيما" للاستشارات، ظالي سيداد، شرح لموقع " "سكاي نيوز عربية" دوافع السلطات الإيرانية لمثل هذه القرار .

وقال: "الأكيد هو أن السلطات الإيرانية لا تملك خياراً آخر غير رفع الدعم عن الخبز. فالمواد الأولية الداخلة في صناعة الخبز كلها تكاد أن تكون مستوردة، بما في ذلك نصف كمية القمح اللازمة لحاجات البلاد السنوية من هذه المادة، مما يعني بأن يتم شراءها بالعملة الصعبة، التي لا يُمكن تعويضها في ظلال الأسعار الحالية للخبز،".

وتابع: "كما أن فساد المؤسسات الحكومية، يسمح بتسريب كميات هائلة من الطحين المدعون إلى الأفران الخاصة، التي تبيعها بأسعار مضاعفة للمستهلكين".

زيادة أسعار الخبز الحالية، ستُضاف إلى زيادات مطابقة في أسعار مواد غذائية أخرى، إذ زادت أسعار السكر بنسبة 100 بالمئة، فيما أضيف 120 بالمئة لسعر الزبدة و115 بالمئة لسعر الدجاج و90 بالمئة لسعر الزيت والسمنة الصناعية.

أزمة الخبز  تأتي بالرغم من إن إيران بلد زراعي تماماً، خاصة في إنتاج القمح، حيث يصل إنتاج إيران من القمح إلى قرابة 12 مليون طن من القمح في السنوات التي تكون فيها الأمطار وفيرة، بينما تنخفض إلى أقل من 4 ملايين طن في السنوات التي تكون فيها الأمطار شحيحة، مثلما كانت الأحوال خلال السنة الماضية.

لكن في كُل الأحوال فإن حاجة إيران من القمح سنوياً تُقدر بحوالي 20 مليون طن، تستورده عادة من دول الجوار، روسيا وكازخستان، وحتى الاتحاد الأوروبي.

الأمر نفسه يسير على حاجة إيران لباقي أنواع الحبوب، مثل الذرة الصفراء والشعير والبقوليات، ودفع ذلك بالمعلقين الإيرانيين إلى نقد سياسات الحكومية الإيرانية، التي لم تُطور السياسات الزراعية في البلاد منذ أكثر من أربعة عقود كاملة، منذ استلام الطبقة الحالية للحُكم، وانشغالها بالصراعات الخارجية.