العدد 4667
الأحد 25 يوليو 2021
banner
ذكرى 23 يوليو.. والرئيس عبدالفتاح السيسي
الأحد 25 يوليو 2021

قبل يومين مرت ذكرى 23 يوليو التي تستنهض في عميق وجداننا وجوارحنا مشاعر وأحاسيس المودة والتقدير والإكبار للشقيقة مصر العظيمة ولشعبها الوفي الكريم.. مصر التي كانت وستبقى درعًا وحصنا منيعا، ومدافعًا صلبًا، وحارسًا أمينًا يقظا غيورا يهب وينتفض عندما يرى التهديد أو الخطر يداهم أي من الدول العربية.

وننتهز هذه الذكرى لنُذكر ونعيد إلى الأذهان وقفة مصر الحاسمة والموقف الشجاع للرئيس عبدالفتاح السيسي عندما بادر وتحرك في الثلاثين من يونيو 2013 لإنقاذ مصر وباقي الدول العربية.

في ذلك اليوم، وفي لحظة فارقة، ضرب عبدالفتاح السيسي موعدًا مع التاريخ، وقام بإحباط وإجهاض خطة أميركية مؤكدة وموثقة في وثيقة وقعها الرئيس باراك أوباما في العام 2010  تحت عنوان PSD11 أو “وثيقة القرار التنفيذي السري 11”، الذي يهدف أساسًا إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط والعالم العربي باستخدام جماعة الإخوان المسلمين وحزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، وقد تسربت هذه الوثيقة إلى الرأي العام العالمي بعد أن نشرت تفاصيلها جريدة “نيويورك تايمز” الأميركية في فبراير 2011.

الخطة كانت تهدف أولًا إلى إشعال المنطقة وزجها، ضمن مفهوم “الفوضى الخلاقة”، في أتون ما سمي بالربيع العربي؛ تمهيدًا للإطاحة بالأنظمة الشرعية لهذه الدول بما في ذلك الدول العربية الصديقة والحليفة للولايات المتحدة، وتسليم السلطة إلى الجماعات الأصولية الراديكالية، ثم تقسيم الدول العربية على أساس طائفي إلى كيانين، واحد سني والآخر شيعي، بحجة تحقيق التوازن بين الطرفين، بحيث تتولى جماعة أو أحزاب الإخوان المسلمين السلطة في مصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب والسودان، وبعدها تندمج هذه الأحزاب تحت مظلة حزب العدالة والتنمية التركي، فتدار عواصم هذه الدول من أنقرة، وتصبح تركيا هي الدولة المهيمنة على الدول العربية في شمال أفريقيا، وقد اعتبرت إدارة أوباما حزب العدالة والتنمية نموذجا ناجحًا للحزب الإسلامي الحاكم لدولة مدنية علمانية وصديق لأميركا وإسرائيل.

وعلى الجانب الآخر يتم تمكين طهران من الهيمنة الكاملة على الدول العربية الخليجية، التي تمثل قلب منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب دول شمال الجزيرة العربية؛ العراق وسوريا ولبنان، وذلك كله ضمن ما سمي في الخطة بـ “مشروع الشرق الأوسط الكبير”.

كان السيسي من أوائل المدركين لأبعاد وخطورة هذه الخطة، وأول من تحرك لإنقاذ الدول العربية من التفكيك والتقسيم، وحماية المنطقة من حكم وسيطرة المتطرفين والإرهابيين، ومن الخضوع لهيمنة تركيا وإيران.

ولكن لماذا، وما هدف ومصلحة أميركا من هذه الخطة؟

قبل الإجابة على هذا السؤال اسمحوا لي أن أقحم أو أشير باقتضاب شديد إلى تجربتي الشخصية المتواضعة المتعلقة بهذا الموضوع؛ فمنذ انتخابي بمجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين في بداية الثمانينات من القرن الماضي، ومشاركتي في عدد من اجتماعات الغرفة العربية الأميركية، ثم اختياري لعضوية اللجنة البحرينية الأميركية برئاسة المرحوم يوسف أحمد الشيراوي وزير التنمية والصناعة وقتها، تلتها عضويتي بمجلس الشورى ثم تعييني وزيرًا، كل هذه المواقع والمناصب أتاحت لي فرصة اللقاء والاجتماع والاستماع إلى عدد كبير من كبار السياسيين والسفراء والمسؤولين الأميركيين من بينهم الرئيس جورج بوش الأب الذي تم على يديه تحرير الكويت من الاحتلال العراقى في العام 1991؛ فقد كنت الوزير المرافق له أثناء زيارته الخاصة للبحرين، لمدة يومين، في العام 1999، لإلقاء الكلمة الرئيسية في مؤتمر نظمه مصرف انفستكورب، وذلك بعد 6 سنوات من انتهاء فترة ولايته.

منذ ذلك الوقت كنا نسمع تأفف الساسة الأميركان وتذمرهم من ثقل الالتزامات في منطقة الشرق الأوسط التي لا تعرف غير الصراعات والمواجهات والحروب،

وأن الأنظمة فيها دائمة النزاع والاختلاف فيما بينها، ولكل واحد منها رأي يختلف عن الآخرين، ولا ترغب في إيجاد حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي، وإن البعض منها يدرك أن بقاءه يعتمد على بقاء واستمرار هذا الصراع.

بالنسبة لدول مجلس التعاون فقد بدأنا نسمع، بعد تحرير الكويت، أن البيت الأبيض سئم من عدم اتفاقها وتوحد كلمتها، وأن الساسة الأميركان محتارون في كيفية التعامل مع هذه المجموعة التي تختلف وتتباين وجهات نظرها ومواقف أعضائها حول التحديات الخطيرة التي تواجهها؛ بما في ذلك الموقف من النظام الحاكم في إيران. فكل دولة لها موقف مختلف وأحيانا متناقض لمواقف الدول الأخرى في المجموعة، والأدهى من ذلك أن بعض أعضائها يعمل ضد الآخرين وفي تيار معاكس، مما يجعل التعامل والتعاون معهم صعبًا، وقالوا إنهم وجدوا التعامل مع الإيرانيين أسهل لأن لهم رأسا واحدا ورأيا موحدا. ثم بدأ اهتمامهم يتوجه نحو ما أسموه بـ “المسألة الشيعية السنية” في المنطقة، إلى أن أصبح هذا الهاجس الطائفي يسيطر على فكرهم ومخيلتهم من منطلق أن للدين الإسلامي دورا مؤثرا ومسيطرا على توجيه الحراك السياسي في المنطقة بحيث يمكن استغلاله واستعماله لتنفيذ خططهم فيها.

وبعد أن فاز الديمقراطيون في انتخابات العام 2008 ودخل الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض بدأت النبرة تزداد حدة وارتفاعًا حول ضرورة وحتمية تغيير سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط نتيجة لتغير أولويات مصالحها الاستراتيجية وانتقال ثقل اهتماماتها وتركيزها إلى شرق آسيا لمواجهة توسع وتمدد النفوذ الصيني في تلك المنطقة، بعد أن اكتشفت مدى القفزات الواسعة والتقدم العلمي والاقتصادي المهول الذي تحققه الصين، والحجم الحقيقي لمستوى التحدي الذي يمثله هذا العملاق الناهض.

وبالنتيجة فإن إدارة أوباما توصلت إلى قناعة تحولت إلى خطة وبرنامج عمل يهدف إلى تقليص تواجد الولايات المتحدة والتزاماتها تجاه منطقة الشرق الأوسط بعد إنهاء كل الانقسامات والصراعات فيها من خلال إعادة ترسيمها وتوحيدها ضمن محورين رئيسين تحت مظلة تركيا وإيران مما سيسهل على واشنطن التعامل مع طرفين فقط هما أنقرة وطهران. كما هو مفصل في خطة PSD11.

إن الولايات المتحدة تدرك أنه إذا وقعت مصر تحت سيطرة الإخوان المسلمين فإن باقي الدول العربية ستنهار وتتساقط بعدها بكل سهولة، فكانت مصر هي الهدف الأول؛ فتسلم الإخوان المسلمون السلطة فيها، وسرعان ما انكشفت واتضحت النوايا والاتجاهات الحقيقية التي قاومها ورفضها الشعب المصري؛ فثار ضدها، وخرج في الأيام الأخيرة من شهر يونيو 2013 بكل كثافة إلى الشوارع بالملايين، قدرتها بعض المصادر بأكثر من 30 مليون يوميًا، وكادت مصر تنزلق إلى هاوية الفوضى والانقسام مما لم يترك مجالًا للجيش المصري وقائده عبدالفتاح السيسي سوى الاستجابة لنداء الشعب وإسقاط حكومة الإخوان، وإنقاذ مصر وباقي الدول العربية.

وبفضل شجاعة وإقدام عبدالفتاح السيسي فقد فشلت خطة أوباما، وليس من الصعب حتى اليوم رؤية انعكاسات وتبعات تلك الخطة من خلال ما يحدث من مآس في عدد من دول المنطقة.

فتحية للرئيس السيسي وشكرًا له.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .