+A
A-

ما هي دلالات المناورات العسكرية الروسية الصينية العملاقة؟

تنطلق تدريبات عسكرية مشتركة بين القوات الصينية والروسية في غضون الأيام المقبلة، بمنطقة نينجشيا ذاتية الحكم شمالي الصين، بعدما أعلنت وزارة الدفاع الصينية إجراءها في النصف الأول من الشهر الجاري.

وتأتي هذه التدريبات العسكرية غداة المحادثات التي عقدها وزير الدفاع الصيني وي فنغ خه، الأسبوع الماضي، مع نظيره الروسي سيرغي شويغو في دوشنبه عاصمة طاجيكستان، لمناقشة تعزيز التعاون العسكري.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية وو تشيان، إن الجانبين سيرسلان أكثر من 10 آلاف جندي للمشاركة في المناورات المشتركة التي ستشمل أيضا طائرات مقاتلة ومدفعية، وإقامة مركز مشترك للقيادة.

وأوضح أن التدريبات العسكرية تهدف إلى تعزيز وتطوير شراكة استراتيجية شاملة بين روسيا والصين، والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين، والتأكيد على مكافحة الإرهاب.

وسيجري خلال المناورات العسكرية التدرب على قيادة القوات وإدارتها، ومراقبة الوضع القتالي، وتنظيم الاستطلاع، والإبلاغ، وتدمير قوات العدو بواسطة النيران الصديقة، والأمن المعلوماتي، وفق وزارة الدفاع الروسية.

ويرى مراقبون أن التدريبات تأتي في وقت يزداد فيه التوتر بين البلدين والولايات المتحدة.

وجاء الإعلان عن التدريبات العسكرية بين موسكو وبكين، بعد أيام من تحذير الرئيس الأميركي جو بايدن من اندلاع حرب عسكرية شاملة، في ضوء تزايد التوترات مع روسيا والصين بسبب سلسلة حوادث سيبرانية استهدفت الوكالات الحكومية والبنية التحتية الأميركية.

رسالة لإدارة بايدن

ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، طارق فهمي، أن الصين تتحرك في مسارات متعددة خلال الفترة الراهنة، الأول سياسي، والثاني عسكري استراتيجي، إذ بات من الواضح أن بكين بدأت تنشط سياسيا في مناطق مختلفة من العالم، وتمثل هذا في زيارات المسؤولين الصينيين لعدة دول، وتحركات في شرق المتوسط.

وأوضح فهمي في تصريحات لـموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه بالنسبة للمسار العسكري "فهو يشير إلى بداية تحرك عسكري واستراتيجي في القيام بتدريبات ومناورات عسكرية مشتركة، والقضية ليست في وجود روسيا فحسب، إنما في الرسالة التي تبعثها بقوة إلى الجانب الأميركي في هذا التوقيت".

وأشار إلى أن هناك "مصلحة روسية صينية لتقريب وجهات النظر بينهما ومحاولة الضغط على واشنطن، ويبدو هنا أن هناك أهداف روسية وصينية لإعادة هيكلة النظام الدولي الجديد، بحيث لا يكون هناك قطبا واحدا أميركيا يسيطر على مقاليد الأوضاع في عالم ما بعد كورونا، إنما هناك مساعٍ للبحث عن دور استراتيجي أكثر قوة للصين وإعادة هيكلة السياسة الخارجية الروسية في أقاليم متعددة بالعالم".

وبحسب فهمي فإن الصين "اتفقت مع روسيا ليس فقط في إجراء تدريبات ومناورات عسكرية، ولكن على إعادة هيكلة النظام الدولي. وهكذا سيكون الجانب الأميركي في مأزق، خصوصا أن الإدارة الحالية لم تقدم رؤية أو تضع تصورا لبناء نظام دولي جديد".

وبحسب فهمي  فسيكون للتدريبات العسكرية "تأثيرات وتداعيات خطيرة في الفترة المقبلة، لأنها غير مسبوقة، وتدور في مسارح عمليات متعددة، وتحدد أهدافا عسكرية واستراتيجية متوسطة وطويلة المدى".

ولفت فهمي إلى أن هناك مخاوف من أن يكون هذا التحالف مقدمة لتحالف استراتيجي ممتد ودائم.

وكان وزير الدفاع الصيني قد قال خلال لقائه نظيره الروسي، إن الاجتماع في ظل السياق الدولي الراهن "لم يعجب بعض الدول، وهذا هو بالضبط جوهر لقائنا".

ونقلت وكالة "تاس" عن وزير الدفاع الروسي قوله إن "الجيشين الروسي والصيني يعودان تدريجيا إلى وتيرة التفاعل السابقة".

وبحسب الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية محمد حسن، فإن المناورات العسكرية الجديدة تأتي في سياق تنافس حاد بين الصين والولايات المتحدة، في أكثر من قضية، منها تايوان وبحر الصين الجنوبي وهونغ كونغ والباسيفيك، وتغلغل التقنية الصينية داخل مؤسسات البنى التحتية الغربية الرسمية وغير الرسمية، ولاسيما الأوروبية.

وبيّن حسن أن التدريبات العسكرية "تأتي في سياق توتر العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة في عدة ملفات أبرزها الموقف الشخصي للرئيس بايدن من نظيره الروسي، علاوة على تزايد عمليات القرصنة التي تتعرض لها الولايات المتحدة وتتهم موسكو بالوقوف وراءها".

ويؤكد حسن أنه "يمكننا القول إن المناورات المشتركة بين روسيا والصين تدل على العداء المشترك مع الولايات المتحدة، وعلى تعاظم الدور الصيني الذي بات يعلن عن نفسه دون مواربة في آسيا الوسطى، حيث استضاف وزير الخارجية الصيني، الملا عبد الغني بارادار، زعيم حركة طالبان الذي تعهد بأن أفغانستان لن تكون قاعدة للانفصاليين في الصين".

وأشار إلى أن المناورات وحدها "لن تساهم في أزمة جديدة مع الولايات المتحدة، لكنها مؤشر على تنامي الشراكة الاستراتيجية الصينية الروسية في آسيا الوسطى التي تعد من أهم محركات السياسة العالمية، ومن المناطق التي ستشكل حديث العالم في الفترة المقبلة نظرا لتطورات الأوضاع فيها بدءا من ناغورونو كاراباخ وصولا للبر الصيني".

وذكر حسن أن "البنتاغون بدوره يبحث بطريقة متعمقة المسائل المتعلقة باستراتيجية وزارة الدفاع والمفاهيم العملية والتكنولوجيا وهيكل القوة ووضعها وإدارتها، والاستخبارات والتحالفات والشراكات والعلاقات العسكرية مع الصين".