العدد 4680
السبت 07 أغسطس 2021
banner
الأزمة القبرصية والمعادلة الصعبة
السبت 07 أغسطس 2021

أدت زيارة الرئيس التركي إلى مدينة "فاروشا" الواقعة في منطقة قبرص التركية إلى ردود فعل دولية منددة، حيث دعت الولايات المتحدة وفرنسا إلى شجب الموقف التركي وطالبت بالالتزام بتوجهات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الخاصة بمدينة "فاروشا" المهجورة بإبقاء المدينة خاوية ومغلقة على أن تحل المسألة عن طريق التفاوض، والتي استولى عليها الجيش التركي عام 1974، ما أدى إلى ترك سكان المدينة الأصليين الذين ينتمون إلى القبارصة اليونانيين، وتُعرف مدينة "فاروشا" بمدينة الأشباح الواقعة في جمهورية شمال قبرص، وقدر عدد سكانها بنحو 50 ألفا آنذاك.

ونظراً لموقع قبرص الاستراتيجي، فقد حكمتها عدد من الدول بدءاً بحكم البيزنطيين الذي استمر ثمانية قرون، ثم فتحها المسلمون بقيادة معاوية بن أبي سفيان في عام 648 ميلادية، وبعد ضعف الدول الإسلامية، استولى عليها الصليبيون وبقت مدة تحت سيطرتهم، وكانت بوابة لشن الحملات الصليبية على القدس، وفي عام 1571 ميلادية استولى عليها العثمانيون واستمر حكمهم ثلاثة قرون، وقد تركزت الأقلية التركية في الجزء الشمالي من الجزيرة المطلة على تركيا، ومع مرور الزمن ونتيجة تراجع الدولة العثمانية وتضعضعها في نهاية القرن التاسع عشر، سيطرت الدول الأوروبية على الأراضي العثمانية، وفي مؤتمر برلين الذي أقيم عام 1878 تمت مكافأة بريطانيا بإهدائها قبرص تعويضاً عما كسبه الروس في البلقان، وكطريقة لتعزيز قوة بريطانيا في منطقة شرق البحر المتوسط من التعديات الروسية.

مع منتصف القرن العشرين ومع بروز الحركات التحريرية ضد الاستعمار، ظهرت النزعة العرقية في الجزيرة بين السكان اليونانيين والأتراك نتيجة انعدام الثقة المتبادلة بينهم، ونتيجة انعكاس العلاقات التركية اليونانية والتي اتسمت دائماً بالعداوات والنزاعات.

 

في عام 1959 حاول البريطانيون الوصول إلى حل يرضي الطرفين المتنازعين واقترحت دولة مستقلة موحدة، وتم عقد اتفاقية لندن - زيوريخ للترتيب على الوضع المحتمل، وانهارت الاتفاقية بعد ثلاث سنوات أي في عام 1964 بعد كسر المطران ماكاريوس الاتفاقية الذي أصبح فيما بعد رئيساً لقبرص الموحدة، وقام المجتمع الدولي بمبادرات لاحتواء الموقف إلا أن كل المحاولات لم يكتب لها النجاح، وتسبب هذا في نشوب العنف بين الجماعتين العرقيتين، وقام ماكاريوس بتهميش الأقلية التركية والاعتداء عليها عدة مرات، ونتيجة إلى ذلك قام الجيش التركي بالتهديد بالتدخل العسكري، وفي عام 1974 أدى الانقلاب الذي يقوده الجيش اليوناني إلى الإطاحة بماكاريوس، ما زاد الوضع تعقيداً وزاد الصراع العرقي بين اليونان وتركيا، فتركيا لن تقبل أبدا بمبدأ الدولة القبرصية الواحدة ومطالبها قائمة على الحكم الذاتي للأقلية التركية، ما حدا بالجيش التركي باحتلال 30 % من الأراضي القبرصية، وقام المجتمع الدولي وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية بدور الوسيط لوقف الصراع القائم بين تركيا واليونان العضوين في حلف الناتو.

وبعد مرور نصف قرن على النزاع التركي اليوناني على الجزيرة، مازال الوضع يشوبه التوتر، وقامت عدة محاولات دولية للتوسط إلا أنه في النهاية - ونتيجة تمسك كل من تركيا واليونان برأيهما - لم يتم الوصول إلى أية نتيجة، فقبرص اليونانية القائمة على 70 % من الأراضي القبرصية وذات الأغلبية اليونانية المعترف بها دولياً، تنادي بإقامة دولة تضم كل الأعراق، أما قبرص التركية فلم تعترف بها أية دولة إلا تركيا، ومازالت تدعو إلى حل الدولتين على أن تكون الدولة القبرصية التركية تتمتع بحوالي 30 % من الأراضي القبرصية، وقد تشهد الأيام القادمة انفراجة في حل هذه الأزمة، وذلك عبر وساطات تقوم بها الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية لحل هذه العقدة، ولا يمكن إيجاد حل للمشكلة القبرصية دون حل شامل لكل المشاكل والنزاعات العالقة بين تركيا واليونان وخصوصاً الحدود البحرية والجزر المتنازع عليها، كما أن على الأمم المتحدة إيجاد حل لهذه المشكلة المؤرقة للمجتمع الدولي، والتي تهدد الاستقرار والأمن القائم في المنطقة، ويمكن اقتراح قيام دولة قبرصية مستقلة عن تركيا واليونان، قائمة على السيادة الوطنية والديمقراطية وحكم القانون والعدالة والمساواة بين كل الأعراق.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية