+A
A-

أمين صالح يثري المكتبة العربية بتحفته الجديدة "شعرية السينما"

صدر حديثا عن مهرجان أفلام السعودية السادس كتابا جديدا للروائي والسيناريست القدير أمين صالح بعنوان "شعرية السينما"، وهو إصدار مهم يضاف إلى سلسلة الكتب السينمائية التي أثرى بها أمين صالح المكتبة العربية.

يقع الكتاب في 359 صفحة من الحجم الوسط وينقسم إلى ثلاثة فصول. الفصل الأول حمل عنوان "نافذة الشاشة المدهشة"، ويسرد فيه صالح قصة السينما الشعرية التي نشأ مفهومها لأول مرة في فرنسا بين المجموعة الطليعية خلال السنوات العشرين من بدايات السينما، ومن أبرز رموز هذه الحركة "جيرمين دولاك، لوي ديلوك، هنري شومتي وغيرهم"، حيث تكمن - أي السينما الشعرية - بعيدا جدا عن النظريات أو التعريفات، ووراء نطاق المعاني أو التأويلات، لا قوانين تحكمها ولا أعراف أو تقاليد.

إن جذر الشعرية في السينما ينشأ من الاستجابة العاطفية المباشرة التي تستمدها السينما، والأفكار التجريدية التي بإمكان السينما ربطها، وابتكار مجازات لها.

في حديثه عن مفهوم السينما الشعرية يشير تاركوفسكي إلى أن هذا التعبير أصبح مألوفا وشائعا، وهو يعني السينما التي تبتعد بجسارة في صورها عما هو واقعي ومادي متماسك.

ثم يستعرض صالح "الواقعية الشعرية"، وهذا الاتجاه ظهر في السينما الفرنسية في سنوات الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، وقد تميزت بها أفلام عظيمة ومهمة تعد من العلامات البارزة في تاريخ السينما العالمية حققها مخرجون كبار مثل: جان رينوار "الوهم الكبير، قوانين اللعبة"، وجاك فيجو "صفر في السلوك"، ومارسيل كارنيه "بزوغ النهار، أطفال الفردوس".

وهذا الاتجاه لم يولد من الفراغ، بل جاء من رحم الانطباعية الفرنسية، والحركة الطليعية في فترة السينما الصامتة.

وينتقل صالح بعدها للحديث عن "شعرية الفيلم السوفيتي"، حيث كان الشعر ملحوظا على الشاشة من دون أي ارتباط بالحبكة، بل يجد تعبيره في الوجوه، المناظر الطبيعية.

الفصل الثاني من الكتاب جاء بعنوان "شعراء السينما"، وهم مخرجون قادرون ببراعة على التعبير شعريا عن المشاعر والعواطف المنبعثة من الصور، وهؤلاء نسميهم شعراء السينما، ومنهم "أندريه تاركوفسكي" الذي حقق بأفلامه السبعة الطويلة فقط، تجربة إبداعية ثرية وأصيلة طوال 25 عاما ليصبح واحدا من أعظم المخرجين في تاريخ السينما، وواحدا من شعراء السينما الحقيقيين.

سينما تاركوفسكي هي السينما في حالتها الصافية والنقية المتحررة من ثوابت ومسلمات السينما التجارية ومن تقاليد البناء الدرامي والسرد والمونتاج.

ومن شعراء السينما أيضا المخرج "عباس كيارستمي"، وهو من أعظم شعراء السينما في إيران، ورفعته أفلامه إلى مرتبة كبار المخرجين المعاصرين في السينما العالمية. إنه السينمائي الذي استخدم العناصر الأكثر تواضعا، الأكثر تقشفا، من الحياة والمنظر الطبيعي والسينما؛ من أجل توليد الإيماءات الفنية الأكثر راديكالية وعمقا وتحريكا للمشاعر في زماننا.

للشعر أهمية قصوى في حياته وأعماله، الشعر مصدر دائم، ثابت ولا ينضب للمتعة والطمأنينة والاستلهام، حيث يقول "الدافع الباطني للفن هو لانتزاعنا من واقعنا اليومي وجلبنا إلى الحقيقة الخفية التي يصعب الوصول إليها".

ومن الأسماء كذلك المخرج الأمريكي "تيرنس ماليك" الذي استطاع أن يقدم أعمالا سينمائية ذات حساسية شعرية عالية جعلته يتبوأ مكانة عالية ليصبح واحدا من أعظم المخرجين المعاصرين في السينما الأمريكية وليمارس تأثيرا قويا على عدد لا يحصى من المخرجين، وغيره كثيرون كما جاء في الكتاب منهم الروسي "دزيغا فيرتوف"، والأوكراني "يوري ايلينكو"، والسويدي إنجمار بيرجمان"، والإيطالي "باولو بازوليني"، و"جان لوك جودار"، و"لويس بونيل"، و"فيكتور إيرثيه"، و"سيرجي بارادجانوف" وغيرهم.

الفصل الثالث والأخير حمل عنوان "أفلام شاعرية"، واستعرض فيه صالح مجموعة من الأفلام، منها فيلم "شروق" للمخرج الألماني مورناو " 1927 "، وكان يصنف ضمن التحف الفنية في السينما الصامتة، ولا يزال يعد الآن من الروائع الفنية، ومن بين أعظم الأفلام في تاريخ السينما. وفيلم "كلب أندلسي" للمخرج السينمائي الإسباني لويس بونويل، وفيلم "دم شاعر" للمخرج جان كوكتو العام 1930، وهو فيلم صامت لا يعتمد خطا سرديا إنما يتحرى الدم الحقيقي والرمزي الذي يقتضيه خلق عمل فني.

وأيضا هناك فيلم "الأرض" للمخرج الكسندر دوفجنكو العام 1930 والذي يعد أحد أعظم الأفلام في تاريخ السينما وأكثرها شعرية. وفيلم "قصة طوكيو" للمخرج الياباني العظيم ياسوجيرو اوز، وفيلم "حكاية أوجستو" للمخرج الياباني كينجي ميزوجوشي العام 1953، وهو عمل تاريخي يعكس الباعث الكوني للحروب. ومن الأفلام الشاعرية كذلك فيلم "أغنية الطريق" 1955 للمخرج البنغالي ساتياجيت، وفيلم "البيت المظلم" للمخرجة الإيرانية فروخزاد، وفيلم "لون الرمان" للمخرج سيرجي بارادجانوف العام 1969، ويتحدث عن سيرة الشاعر الأرميني أورتيون ساياديا والمعروف باسم سايات نوفا، وفيلم "خدعة العنكبوت" 1970 للمخرج برتولوتشي، وفيلم "موت في فينيسيا" للمخرج الإيطالي فيسكونتي، وفيلم "روح خلية النحل" للمخرج فيكتور ايريثيه 1973 وغيرها من الأفلام.