+A
A-

"لغز الواقع.. عنف الميديا في سينما مايكل هانيكه" لأمين صالح

مازال الروائي والسينارسيت البحريني القدير أمين صالح يثري المكتبة العربية بذخائر نفيسة تحظى بعناية فائقة من كل المهتمين بصناعة السينما في العالم العربي من محيطه إلى خليجه، ومن هذه الذخائر كتاب "لغز الواقع..عنف الميديا في سينما مايكل هانيكه" والصادر ضمن السلسلة المعرفية من مهرجان أفلام السعودية 2021.

يقع الكتاب في 392 صفحة من الحجم المتوسط، ويتضمن تفصيلا كاملا عن حياة ونشاط مايكل هانيكه السينمائي عبر الأبواب التالية، الإخراج، السيناريو، التمثيل، الموسيقى، الإنتاج، هانيكه وتقنياته، الواقع، الشخصيات، الثيمات، البيت والعائلة، الميديا، العنف، الجمهور، السياسة، النقد.

ثم يعرج صالح على أفلام هانيكه، وجاءت تحت العناوين التالية: "القارة السابعة التي لا يمكن بلوغها"، فيديو بيني..العالم بوصفه واقعا افتراضيا"، 71" شذرة من يوميات صدفة ما ..عن الجريمة وما قبلها وما حولها"، ألعاب مسلية.. الألم في مداه الأقصى"، شفرة مجهولة وشظايا الواقع"، معلمة البيانو والجنون الذي يدنو على مهل"، زمن الذئب..الوقت الذي يسبق انهيار العالم"، المخفي..استجواب الأثيم"، ألعاب مسلية..أفعال شيطانية"، الشريط الأبيض وجذور الشر"، حب القتل بوصفه فعل حب"، نهاية سعيدة.. وانعدام الرحمة".

الفنان النمساوي مایكل هانیكه، مهما اختلفت الآراء حول أعماله وموضوعاته وأساليبه، يظل مخرجا سينمائيا فذا واستثنائيا في عالم السينما اليوم. عبر أعماله الجادة والملفتة، استطاع هانیكه أن يكرس حضوره كواحد من أهم وأبرز المخرجين المعاصرين في السينما العالمية، وأكثرهم إثارة للخلاف والجدل.

الممثلون يشعرون بالحماية عندما يعملون معي

أحرز شهرة عالمية واسعة مع فوز فيلمه "معلمة البيانو" بجائزة أفضل مخرج في مهرجان كان 2001، إذ حتى ذلك الوقت، ظلت أعماله رغم أهميتها وجدتها بعيدة عن الانتشار الذي تستحقه بجدارة.

تناول في أعماله موضوعات مقلقة واستفزازية، من خلالها وجه نقدا حادا لعناصر الميديا "التلفزيون، الفيديو، السينما" في علاقتها بمظاهر معينة في الواقع الأوروبي الحديث: العنف، العزلة، الاستلاب، المحن الفردية والاجتماعية.

مايكل هانيكه

يتذكر هانیكه افتتانه بالسينما وهو طفل، في الرابعة من عمره، حيث كان يرافق جدته لحضور الأفلام في الصالات. عندما بلغ الخامسة، أرسلته أمه إلى الدنمارك، مع مجموعة من الأطفال، ضمن اتفاقية تبادل أجريت بعد الحرب. أمضى هناك ثلاثة أشهر من التعاسة "كانت التجربة الشاقة الوحيدة في طفولتي، وعندما عدت، خاصمت والدي ولم أتحدث إليها مدة أسبوعين.

لكن من رحلته إلى الدنمارك يتذکر دهشته عندما أخذوه إلى صالة سينما وهناك".. شاهدنا فيلما يدور في إفريقيا، حيث الجمال والنخيل. كنت مأسورا بالفيلم إلى حد أنه عندما انتهى، وأضاءت الأنوار الصالة، وخرجنا من الأبواب المفتوحة، تفاجأنا بالجو البارد وتساقط الثلج في مساء كوبنهاجن.. ولحظتها لم أستطع أن أفهم ما يحدث .. كيف انتقلنا بهذه السرعة من إفريقيا إلى كوبنهاجن".

معلمة البيانو الفائز بجائزة أفضل مخرج في كان

عن موقف هانیكه من التقنيات الحديثة في التصوير وفي مختلف العناصر الفنية، يوضح قائلا:

الآن بإمكان أي شخص أن يحقق فيلما لأن الكاميرات هي في كل مكان. وأنا أجد هذا الأمر رائعا. إنها ديمقراطية السينما وأنا مقتنع تماما أن العديد من الأفراد، الذين لم تسنح لهم الفرصة لتحقيق أفلامهم بسبب شح التمويل، بإمكانهم الآن صنع أفلام ممتازة. حتى الشخص الذي لم تتح له الدراسة، بإمكانه أن يحقق فيلما رائعا إذا امتلك الموهبة والكاميرا. بل قد تتوفر له ميزة امتلاك نظرة أصيلة على نحو فريد للأشياء مقارنة ببعض مخرجي السينما السائدة الذين لديهم رؤية محدودة للأشياء.

لا مانع لدي من العمل وفق التقنية الحديثة، المتطورة رقميا المنتجة بواسطة الكمبيوتر، لكني سأفتقد متعة وقيمة التعاون مع الآخرين، مع الممثلين في المقام الأول. ثمة نوع من التوتر تبحث عنه دائما، بين الدور المكتوب والشخص الحقيقي الذي يؤدي الدور، الذي يسكن ذلك الدور بكل الخاصيات الإضافية التي هي فذة وفريدة عند الممثل، مثل هذا العنصر سوف يزول آنذاك.

ما يهم في التعامل مع التقنية الحديثة هو النتيجة، مدى تأثيرها على المتفرج. إذا كان العمل يحترم الجمهور، فإن كل أنواع التدخل الفني أو التقني لن يكون مشروعا فحسب، بل ينبغي أن يكون مطلوبا.

الواقع يقول إنه خلال سنوات قليلة لن يستخدم أحد شريط الفيلم بمقاس 35 ملي. هذا أمر يدعو للأسف، لكن الأسف، والالتياع لفقد هذا، لن يجدي نفعا.. فلا أحد قادر على صد هذا التغيير المحتوم. المشكلة تكمن في هذا التطور السريع للتكنولوجيا، هذا التطور الذي لا يمكن إيقافه. كل عام تظهر كاميرا جديدة بإمكانات حديثة وعظيمة.

وعن السيناريو يقول هانيكه..الكتابة لا تستغرق مني وقتا طويلا، العثور على الفكرة هو الذي يأخذ وقتا طويلا، عندئذ تصبح الكتابة عملية سريعة جدا، الصعوبة تكمن في بناء السيناريو، المتعة تجدها في الكتابة وليس في عملية البناء، يتعين عليك أن تروي القصة بطريقة لا تثير ضجر الجمهور، ولفعل ذلك ينبغي أن تراعي القواعد السينمائية.

ويلخص هانيكه تعامله مع الممثل بقوله..في تعاملي مع الممثل أحاول إيجاد أداة نقل ملائمة ومناسبة لنقل المشاعر والحالات، من المهم بالنسبة لي أن أشعر الممثل بالراحة والاطمئنان أثناء تأدية الدور، الممثلون يشعرون بالحماية عندما يعملون معي. كمخرج، أظن أن من المهم منح ممثليك الإحساس بأنهم محميون، الإحساس بالثقة في النفس، الإحساس بأنهم لو ارتكبوا الأخطاء فسوف تعرف كمخرج كيف تساعدهم. إذا كنت قادرا على توصيل هذا فسوف تحصل من الممثلين على أداء رائع. يتعين عليك أن تكتب للممثلين مشاهد تمنحهم الفرصة لإبراز ما هم قادرون عليه.