العدد 4715
السبت 11 سبتمبر 2021
banner
نجيب محفوظ وطه حسين
السبت 11 سبتمبر 2021

في وحشة الفراغ القاتل بين أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، تسنت لي قراءة معظم روايات نجيب محفوظ، وجذبتني عذوبة لغته الفصحى المبسطة الأقرب إلى اللهجة المصرية الجميلة، عندها دونت بقلم الرصاص “.. عامية مكتوبة بفصحى سليمة”، ولم أكن أدري حينها أنني سأقرأ بعد سنوات شهادة مهمة بهذا المعنى لعميد الأدب العربي طه حسين جاء فيها “إن جانباً من روعة بين القصرين يأتي من لغتها أيضاً، فهي لم تكتب في اللغة العامية، ولم تُكتب في اللغة الفصحى القديمة التي يشق فهمها على الناس، إنما كُتبت في لغة وسطى يفهمها كل قارئ مهما يكن حظه من الثقافة، ويفهمها الأميون إن قرئت عليهم، وهي مع ذلك لغة فصيحة لا عوج فيها ولا فساد، وقد تجري فيها الجملة العامية أحيانا حين لا يكون منها بد، فيكون موقعها حسنا وتبلغ منك موضع الرضا الكامل”. على أن كليهما - محفوظ وحسين - كانا من أشد أنصار الفصحى ونبذ الإكثار من العامية في الأعمال النثرية كالقصص والروايات، إلا على نحو محدود تقتضيه الضرورات الفنية الإبداعية.

وكان طه حسين ممن تأثر بهم محفوظ في بدايات اغترافه من مناهل الثقافة بروافدها المحلية والعربية والعالمية، إلى جانب المازني والمنفلوطي والعقاد وهيكل والحكيم. ولئن أضحى كلاهما من أبرز الأعلام المستنيرة في الثقافة والأدب بمصر والعالم العربي في تاريخنا الحديث، فقد شاءت الظروف أن يُكفّرا معاً، الأول إثر نشر كتابه “في الشعر الجاهلي” في العشرينيات، والثاني إثر نشر حلقات من روايته “أولاد حارتنا” أواخر الخمسينيات في الأهرام. ومن المفارقات الغريبة التي تدحض تكفيرهما، أن “محفوظ” الذي تربى وترعرع في أحضان حارات الحسين الشعبية طلب من صديق له أثناء مرضه الأخير الدعاء له عند الحُسين، كما كان من العبارات التي خطها لتمرين يده اليمنى على الكتابة بعد محاولة اغتياله “بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”. أما طه حسين فعندما سئل في أواخر عمره عن أقرب أعماله لقلبه أجاب: “على هامش السيرة” و”الوعد الحق”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية