العدد 4754
الأربعاء 20 أكتوبر 2021
banner
الشمال السوري و"الميثاق الملّي"
الأربعاء 20 أكتوبر 2021

في عام 2016 وبعد رفض الحكومة العراقية مشاركة القوات التركية في عملية تحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش، صرح الرئيس التركي قائلاً "عليهم قراءة الميثاق الملّي ليفهموا معنى الموصل بالنسبة لنا"، وفي عام 2018 وخلال التحضير لانطلاق العملية العسكرية التركية ضد الأكراد في شمال سوريا صرح الرئيس التركي بأن "شمال سوريا كان ضمن حدود الميثاق الملّي".
ويعتبر "الميثاق الملّي" بمثابة وثيقة ترسيم لحدود تركيا الجديدة، والذي صدر من قبل البرلمان العثماني المعروف بـ "مجلس المبعوثان" وذلك في عام 1920، ويتضمن الميثاق "المناطق التي تسكنها غالبية تركية مسلمة فهي تعتبر وطناً للأمة التركية، ويشمل هذا شمال سوريا والعراق ومناطق تراقيا الغربية وجزر بحر إيجة وجزيرة قبرص". وجاء هذا الميثاق بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وهزيمة الجيش العثماني من قبل قوات الحلفاء، حيث تم توقيع هدنة مودروس التي أدت في عام 2018 إلى استسلام العثمانيين في مواقعهم المتبقية خارج الأناضول، ووافقوا على أن يسيطر الحلفاء على مضائق البسفور والدردنيل.
وفي عام 1919، قامت القوات اليونانية بغزو مناطق غرب الأناضول بالتزامن مع فرض الحلفاء على الحكومة العثمانية توقيع "معاهدة سيفر" التي حصرت الدولة التركية في مساحة تقل عن نصف مساحة الأناضول، إلا أن انتصار الجيش التركي في عام 1922، قلب الوضع الاستراتيجي رأساً على عقب، ما أدى إلى نيل حكومة أنقرة اعترافاً دولياً، ودعت إلى مفاوضات السلام في مدينة لوزان السويسرية، وفي هذا الاجتماع دعا الممثل التركي إلى الموافقة على بنود "الميثاق الملّي" لتحديد الدولة التركية الجديدة، إلا أنه قوبل بالرفض التام من قبل المفاوضين، لتنتهي المفاوضات في عام 1923 بتوقيع اتفاقية لوزان التي تم بموجبها منح كامل الأناضول للدولة التركية الجديدة على حدودها الحالية.
إن وجود قوات عسكرية تركية في شمال سوريا والعراق بحجة محاربة الإرهاب المتمثل في داعش والقوات الكردية والسريانية وإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا وتغيير ديموغرافي من خلال إحلال قوات تركمانية وعربية موالية لها، لا يمكن أن يكون دون ربط ذلك برغبتها استعادة سيادتها على الأراضي حسب ما جاء في "الميثاق الملّي"، وهو ما أدى إلى نشوء معارك طاحنة بين القوات التركية والموالين لها من جهة وقوات النظام السوري وروسيا والقوات الموالية لإيران من جهة أخرى، من أجل السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة.
وكان العالم يترقب النتائج المترتبة على القمة الروسية التركية في سوتشي لإيجاد حل عسكري وسياسي في شمال سوريا، إلا أنه وبحسب التصريحات الرسمية الصادرة من الرئيسين، لم يؤكدا تثبّت الوضع الميداني في إدلب أو وجود ترتيبات سياسية أو تفاهمات شاملة بين الأطراف الفاعلة.
سوف يبقى الشمال السوري، خصوصا مدينة إدلب، بؤرة توتر، مُشّكلة أزمة إنسانية وأمنية وسياسية للشعب والحكومة السورية والدول الإقليمية الفاعلة، وإن استمرارها يزيد تعقيداً في وضع حل نهائي لإنهاء المعاناة الإنسانية التي يعاني منها سكانها، كما أن بعض الدول الإقليمية لا تريد أن يكون هناك حل دائم، مستفيدةً من الوضع الحالي لتحقيق أهدافها القطرية الضيقة حتى ولو كان ذلك على حساب الشعب السوري.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية