العدد 4758
الأحد 24 أكتوبر 2021
banner
سكتة العالم الافتراضي ويومها الأسود
الأحد 24 أكتوبر 2021

لم يكن هناك مناص من تجاهل ذلك اليوم، أصعب ست ساعات في تاريخ العالم الافتراضي، وأخطر حالة تردد طوقت القارات الخمس والمحيطات الخمس والحواس الخمس.
توقفت الهواتف الذكية عن الكلام المباح، لا فيسبوك، ولا ماسنجر، ولا انستغرام ولا “واتساب”، هكذا فجأة ومن دون مقدمات، وهكذا بضربة إصبع وكل شيء اعتدنا عليه يذهب أدراج الرياح، و.. هكذا في غمضة عين نجد هواتفنا وهي جثة هامدة، وهي تطرح ألف سؤال وسؤال، ماذا يا ترى يمكن أن يحدث في المستقبل لو تعطل عالمنا الافتراضي، أو أصابته سكتة أبدية؟ هل ستكون أحوالنا على ما يرام، وأحوالنا في أسعد حال، وعلاقاتنا على حميميتها الافتراضية الراهنة؟
السؤال كبير، والإجابات غير مقترنة بأدلة وبراهين على حقيقة ما حدث، على أسباب السكتة الرقمية والغربة التي عاشها العالم يوم 4 أكتوبر 2021.
ذلك التاريخ الذي سيظل مائلًا في الأذهان ربما لأجل غير مسمى، وتلك الساعات الخطرة التي افترض فيها البيت الأبيض والبنتاغون “الفرضية” الأسوأ في المشهد برمته، قالوا إنها مقدمات لعدوان على الأرض، وإنها إشارة واضحة بنهاية السلام بين الأمم، والوئام بين الأجناس والشعوب والأكوان.
وفي الوقت الذي استغرقت فيه التخمينات ليالٍ طويلة، وسوء النوايا بحوثًا واجتماعات وتبادل اتهامات لحظات عصيبة، كان المجهول هو سيد الموقف، ولدرجة أن فرنسيس هوغن وهي سيدة كانت قد قدمت استقالتها للتو قبل “اليوم العظيم” خرجت عبر الفضائيات لتكشف عن تغيير حدث في خوارزميات بعض الحسابات صبيحة ذلك اليوم، وأن القادم قد يكون أسوأ لو أن “مارك زوكربيرغ” اتخذ قرارًا بالانحياز لطرف في الصراع الدولي على زعامة العالم، وتخلى عن حياده الإيجابي للحظات.
ربما بيع معلومات، أو تعطيل مصالح، أو فرملة إحداثيات، وليذهب العالم إلى الجحيم، وربما يكون عن غير قصد وبحسن نية حدث الذي حدث ليفقد العالم حاسته الافتراضية، وقرون استشعاره الرقمية، ويعيش مثلما كان قبل 11 سنة، حيث الاتصالات باهظة التكاليف، والمعلومات شحيحة “إلا إذا”، والإنسان تخلى عن سرعة الحركة والتواصل مع أصحابها الافتراضيين، وحيث الدنيا وقد عادت إلى الوراء بكل ما فيه من بطء في التفاهم، وضعف في قوى المعرفة، ووهن في منصات الاتصال.
يقولون: إن العالم الافتراضي جعل العالم أكثر اقترابًا من ذي قبل، وإن الجائحة التي أبعدته عن بعضه البعض قربته التكنولوجيا، وأعادت إليه صفاته الاجتماعية، ومواصفاته الطبيعية، وخلوته مع الأحبة والأقارب والأصدقاء.
ويقولون: إن الانشغال البشري بأدوات التواصل الاجتماعي التي تفرقت بها السبل لأكثر من ست ساعات متصلة خلال هذا الشهر لم يكن بهدف إحداث قطيعة مع هؤلاء الأقارب عندما يكونون متواجدين بجوار أقاربهم، إنما لكي يقترب المستخدم لهذه الوسائل أكثر فأكثر مع آخرين ينتمون إلى نفس الفصيل البشري، وإلى ذات الجيل العارف ببواطن الأرقمة، والتكنولوجيا الحديثة.
وهنا يصبح الإحلال والاستبدال بين مجتمع قريب جغرافيًا وآخر أقرب تكنولوجيًا أمرًا مفروغًا منه، لكنه لا يتم بالتدرج المتوقع، ولا بالتجهيز والإعداد المطلوب، وتصبح عوامل البحث عن صديق أو حقيقة أو معلومة أيًا كان موقعها أكثر سهولة وأعمق أثرًا في الناس.
السؤال الكبير ماذا يحدث لو اعتدنا في التعليم على تقنية عابرة جديدة يطلق عليها “ميتافيرس”، أي تلك التي تسمح بالمحاضرين والطلبة والمسئولين وبعضهم البعض أن يلتفوا جنبًا إلى جنب وبكامل هيئاتهم وهم في أماكن مختلفة، وفي بلدان وقارات متفرقة؟ ماذا يمكن أن يحدث لو اعتمدنا تلك التقنية المشتقة مما يسمى بـ “الهولوجرام”، ثم انقطع الإرسال فجأة وتكرر ما حدث في يوم الإثنين الأسود؟
بالتأكيد سوف تتعطل مصالح الناس، وسوف تنتهي الاجتماعات المهمة إلى اللاقرارات، وسوف يذهب الطلبة المتشبثين بالتعليم عن بعد كلٍ إلى حال سبيله.
والسؤال مطروح بشكل أكبر لأقطاب الذكاء الاصطناعي وهم يتحدثون عن عالم أفضل في الطريق إلى البشرية “السعيدة”، باستخدام آليات مزودة وموجهة بأحدث تقنيات وأحاسيس ونوايا الإنسان في العصر الأحدث.
بالتأكيد لابد من الاحتراز، ولابد من التعامل مع المخزون الإنساني المعلوماتي على أعلى درجة من الحذر، وعند التعامل مع الآلة على أنها سوف تحقق لنا كل شيء، وبالتأكيد لابد وأن نحفظ لأنفسنا يدويًا وبعيدًا عن أعين التكنولوجيا بملفات المستقبل، التي قد تمتلك قرارًا مصيريًا قد يغير مجرى الكون، وقد يضع الإنسان المتحضر أمام أكبر كارثة كونية قد تعيد البشرية إلى ملايين سنة قبل الميلاد، اللهم أكفنا شرور أنفسنا، وارزقنا العلم والرشاد، والحكمة والسداد. إنك سميع مجيب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية