+A
A-

الشعلة يسرد مواقف مؤثرة في حياة الأمير خليفة بن سلمان

يقول رئيس مجلس إدارة “دار البلاد للصحافة والنشر” عبدالنبي الشعلة مستذكرا المغفور له صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة (طيب الله ثراه): “إن سموه ولد في بيئة غرست فيه صفات القيادة والريادة في كثير من الجوانب ابتداء من التربية الصارمة من قبل والده المغفور له سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين، حيث كان سمو رئيس الوزراء الراحل يذكر إصرار والده عليه بضرورة الالتزام بالقيم والمهام والمسؤوليات، كان دائم الرفقة لوالده في الجلسات واللقاءات والاجتماعات وفي المجالس التي يعقدها. وهو ما يتجلى في ترديد سموه رحمه الله مقولة (مجالسنا مدارسنا هكذا علمتنا الأجيال التي سبقتنا)، ففي هذا الجو من القيادة والصرامة، الذي يفرض عليه الالتزام بكثير من المسؤوليات الواجب اتباعها، ترعرع سموه رحمه الله”.


نهج التواصل
ويواصل “كان طيب الله ثراه يذكر لنا دائما أن والده رحمه الله كان يصر عليه للتواصل مع شرائح وفئات وأطياف المجتمع كافة، وكان يطلب منه أن يزور التجار، ولذلك نمت عند صاحب السمو الأمير خليفة هذه الخصلة وهي التواصل مع الناس، فرحمه الله كان حريصا جدا على زيارة الناس في أفراحهم وأتراحهم، وكان دائما ما يحرص على أن يقوم بتأدية واجب العزاء للمتوفَّين، كما يقوم بالاستجابة وتلبية الدعوات للأفراح”.
ويضيف “عرف عن سموه رحمه الله اهتمامه بمعرفة الناس والمجتمع والعوائل والأسر، فكان يعرف دائما الأسرة التي ينتمي إليها من يقابله، وإن لم يعرف كان يسأل ويستفسر عنه، وإذا ما تلقى الجواب يبقى عالقا في ذاكرته”.
 

 ذاكرة قوية
ويمضي الشعلة قائلا “من خصاله رحمه الله تمتعه بذاكرة قوية جدا، لذلك كان من حوله حريصا على أن يفي بوعده له رحمه الله؛ لأنه كان يسأل عن الأمور والمجريات والوعود كافة”، مستدركا “إن هذه الذاكرة القوية والاهتمام بأدق التفاصيل نمت منذ صغره، فكان والده رحمه الله يسأله بعد قدومه من رحلات الصيد (القنص) في المملكة العربية السعودية عن تفاصيل الزيارة والمناطق التي ذهبوا إليها والطريق الذي سلكوه وما شاهده في الرحلة وجميع التفاصيل الدقيقة بما فيها الطيور وأنواع الحيوانات والنباتات البرية التي شاهدها؛ الأمر الذي أكسبه خبرة جيدة بأنواع الطيور والحيوانات والمناطق المختلفة في الصحراء، وكثيرا ما يتعجب من حوله لعلمه بهذه التفاصيل الدقيقة، وهو ما حدث في آخر زيارة لي معه إلى الكويت، حيث تعجب الحضور من معرفته لكل المناطق في الكويت، والتي كانوا يجهلونها”.
 

 أمير الإنسانية
ويسترسل الشعلة بالقول “أعتقد أن التميز في التواصل مع الناس هي من أهم وخصال ومتطلبات القيادة التي اتسم بها رحمه الله، فضلا عن التواصل والمقدرة على التعبير بسلاسة ووضوح عن أفكاره”.
ويكمل “الأمير الراحل على الرغم مما يبدو عليه من حزم وصرامة إلا أن في داخله رجلا عاطفيا جدا يرعى عائلته وأولاده وأسرته، كما يهتم بمن يأتيه من الضعفاء والمحتاجين، يتابع كل ما يكتب في الصحافة عن الحالات الإنسانية والقضايا الاجتماعية ويتتبع الحالات، مثال على ذلك أن أحد الآسيويين كان يعمل في البحرين وصادفته مشكلة فور رجوعه إلى بلده، وكتبت عنه الصحافة، فأمر سموه بالاتصال به فورا وحل مشكلته”.
ويستطرد “وهذا هو حاله طيب الله ثراه في السفر، كان يتابع ويهتم بشؤون الناس، يوصي بالمرضى ويسأل عن حالاتهم، فاهتمامه بمساعدة الجميع يأتي انطلاقا من التربية والبيئة التي تلقاها سموه رحمه الله، فلا يخفى على أحد الحالات الكثيرة التي قدم فيها المساعدة للطلاب لاستكمال دراساتهم والتكفل بابتعاثهم، كما هو حاله في التكفل بعلاج المرضى وتحمل تكلفة علاجهم في الخارج”.


حنكة سياسية
وعن تعاطيه رحمه الله مع الأزمات التي عصفت بالمنطقة يقول الشعلة “إن المغفور له امتهن العمل السياسي منذ الصغر برفقة والده وعاش كل الظروف التي مرت بالمنطقة منذ ذلك الحين، فنما إحساسه واهتمامه بالسياسة، فضلا عن متابعته المستمرة، فهو دائم السؤال ورجل مطلع يسأل عن الأخبار والتطورات التي تحصل ابتداء من داخل البلد، وهو ما شهدناه حتى في سفرنا لأحد البلدان، حيث كان شديد الحرص على معرفة الأخبار ومتابعة الأحداث متابعة دقيقة لهذه البلدان”.
ويلفت “لقد نمت لدى سموه رحمه الله المقدرة على قراءة المستقبل والتطورات، وذلك بالنظر إلى الحنكة السياسية التي تمكن فيها من مواجهة أدق وأصعب الظروف والأحداث منذ إعلان بريطانيا نيتها الانسحاب ومنح البحرين الاستقلال وارتفاع الأصوات المطالبة في إيران بتبعية البحرين لإيران”.
ويوضح “كان لديه رحمه الله موقف صارم وقراءة جدا جيدة، فتعامل مع القضية بطريقة متطورة دون عاطفة ومن غير شعارات، فكان رده صريحا بأن إيران لن تكون لها رجل في البحرين إلا على جثته؛ الأمر الذي رضخ له شاه إيران لما رآه من إصراره على موقفه وموقف شعب البحرين مع العائلة الحاكمة، إذ ظهرت صيغة - حفظ ماء الوجه - وهي إجراء الاستفتاء الشعبي وهو الذي أظهر وأثبت ولاء أبناء البلد وانتماء الشعب وتمسكه بعروبة واستقلال البحرين وبقيادة الأسرة الحاكمة له”.
ويردف “ومن المواقف التي تظهر حنكته السياسية رحمه الله عندما قررت الولايات المتحدة والغرب غزو العراق والإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين، فكان صريحا جدا معهم، لافتا إلى أنها ستكون كارثة على المنطقة التي ستنهار، وهذا ما حصل فعلا بعد أن تم غزو العراق وما تبعه من ظهور المليشيات والإرهابيين وغيرهم، الأمر الذي هز أركان الأمن والاستقرار في المنطقة والتي ما تزال تعاني منها حتى الآن”.
ويؤكد الشعلة أن “هذا يثبت النظرة البعيدة والحنكة السياسية للمغفور له، فرغم أنه يؤمن بالتغيير إلا أنه يصر على أن يعرف ماذا بعد التغيير وما أسلوب التغيير ونتيجته، وهذه إحدى الخصائص البارزة والإمكانات القيادية والسياسية للمغفور له صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة”. 


مدرسة للجميع
وعما استلهمه من شخصية رئيس الوزراء الراحل المغفور له الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة يقول الشعلة “استلهمت منه الكثير، حيث إن الأمير الراحل يكون في الواقع مدرسة للجميع، وأنا أعتبر نفسي محظوظا، حيث أتيحت لي الفرصة بأن أعمل وأتعاطى معه منذ أن كنت عضوا في مجلس إدارة غرفة الصناعة والتجارة، وبعدها في مجلس الشورى، إلى أن التحقت بالحكومة وعينت وزيرا، فكنت أعمل تحت إدارته، وحتى وبعد أن انتهت مهمتي الوزارية حظيت دوما بالاجتماع بسموه والمشاركة في كثير من الاجتماعات والسفر وحضور اللقاءات معه”. 
ويحدثنا الشعلة “عشرات السنوات من التعاطي والاحتكاك والتفاعل مع سموه أتاحت لي أن أعرفه عن قرب، فكما يقول المثل (أنت تعرف حقيقة الناس عندما تسافر معهم)، وهو ما حظيت به، فقد سافرت معه مرات كثيرة لسنوات عديدة، وعرفنا خصائصه وسماته وصفاته، كما تعلمت منه بقدر ما نستطيع ونحاول أن نرتقي إلى هذا القدر من هذه الخصال الفريدة في شخصية سموه، ومنها الالتزام والجد والاجتهاد والوفاء بتحمل المسؤولية”.
ويتابع “فكان طيب الله ثراه يجلس حتى الليل أحيانا لمتابعة الأمور، كما يحرص منذ بداية الصباح الباكر على متابعة المجريات وتلقي المكالمات والتقارير، فضلا عن التواصل مع المجتمع، فلا يخفى على أحد مجالس سموه الأسبوعية التي كانت تعقد بانتظام حتى في أصعب الظروف، ودائما يحرص على لقاء الناس وعلى الاستماع إلى آرائهم والتقرب منهم، فهو رجل يحس بنبض الشارع ونبض المجتمع، وهو من الأشياء الكثيرة التي نحاول أن نتعلمها من سموه رحمه الله”.


الأمانة بيد “أمين”
وعن استمرار النهج الحكيم لدى القيادة بعد عام من رحيل الأمير الراحل يرى الشعلة أنه “ينطبق عليه المثل القائل (خير خلف لخير سلف)، فالمغفور له ترك إرثا وتراثا وإنجازات كبيرة، وقد اختاره الله وهو قرير العين؛ لأن ما أنجزه في أمان وما حققه في أيد أمينة، فعندما تسلم زمام رئاسة الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، في ذات اليوم أصبح رئيسا للوزراء، وهذا شاهد على سلاسة انتقال السلطة التنفيذية بشكل واضح، كما ويعبر عن استقرار وصلابة وترسخ النظام الملكي الدستوري في بلادنا، فما يزال أسلوب العمل بذات الفكر مستمرا وفي تطور، وقد أضاف إليه سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة الكثير، حيث مزج روح الشباب والمبادرة إلى الخبرة التي تركها المغفور له”.
ويستكمل “منذ اليوم الأول لرحيله امتزجت لدينا الأحاسيس، فإحساس الأسى واللوعة والألم لفقدان الأمير الراحل امتزج بالإحساس بالثقة والأمل والإيجابية من خلال تسلم سمو الأمير سلمان زمام هذه المسؤولية، فالحمد لله أن الله يعوضنا عن غياب المرحوم بحضور سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الذي أثبت الكفاءة والجدارة والإمكانات”.
ويردف “لدينا شواهد كثيرة، يكفينا فقط أن نشير إلى كيفية إدارته أزمة جائحة كورونا (كوفيد 19)، إذ صرنا من أفضل البلدان التي تعاملت وتفاعلت وتصدت للفيروس الخطير الذي انهارت أمامه أنظمة صحية وعلاجية ووقائية في الدول الأكثر تقدما وتطورا في أوروبا وأميركا، فرأينا جثثا في الشوارع، وفي بلدنا لم يحصل هذا الشيء ولم يحتج أحد إلى علاج إلا وحصل عليه، وعلى العكس كانت الدولة تحث الناس وتقنعهم بحملات إعلامية وتثقيفية وتوجيهية جعلت المجتمع يتفاعل مع الإرادة السياسية والإدارية”. ويستدرك بالقول “هناك كثير من التعقيدات والتحديات الاقتصادية التي تطرأ على المنطقة وعلى مملكة البحرين كارتفاع نسب البطالة وانخفاض أسعار النفط، وكان سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء متصديا لهذه الأمور، ما يجعلنا نشعر بالطمأنينة والاستقرار، ونقول إن المرحوم ترك الأمانة في يد من هو أمين عليها”.


مكافأة الناجحين
وعن علاقة المغفور له بالآخرين والمقربين منه يقول الشعلة “وجدتها تتجلى في علاقاته بأبنائه وأحفاده، فهناك وقفات كثيرة ومحطات لا يسع المقام للوقوف عندها، إلا أن إحساسه بالفخر والاعتزاز لتخرج أحفاده من الجامعات والدراسات العليا كان جليا وواضحا”. ويتابع “عندما تخرجت حفيدته الشيخة عائشة بنت راشد آل خليفة، وهي أول امرأة بحرينية بمجال قيادة الطائرات الحربية المقاتلة، كاد رحمه الله يطير من شدة الفرح، وهذا الإحساس ينسحب على كل الأفراد، فهو رجل يرعى النجاح ويحرص على تشجيع ومكافأة الناجحين والمتميزين، وليس ماديا فقط بل ومعنويا”.


القلب الرحيم
ويتابع “تميز بشخصية فريدة اتضحت من خلال علاقاته مع الناس وفي تواصله مع قادة دول مجلس التعاون وقادة العالم، وشهدتُ ذلك في مؤتمرات عديدة كمؤتمر القمة الإسلامي ومؤتمر دول عدم الانحياز، فهو يظهر مقدرة حميمية في التواصل تجذب الآخرين، ويفرض احتراما بهذه الميزة التي تمتع بها، وهكذا رأيته في لقائه مع الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي ورئيس كوبا السابق فيدال كاسترو رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد”.
ويستطرد “من خصاله رحمه الله أنه كان إنسانا عاطفيا مهتما بكل من حوله يحرص على أن يرعاهم بأبويته. الموظفون في أي فندق نسكنه في السفر يحومون حوله لما يجدون لديه من حسن معاملة وطيبة أبوية، وكثيرا لم نكن نجد لنا مكان يسعنا في المطارات، حيث كان رحمه الله يحرص على أن يجلس كل المرافقين له على ذات طاولة الطعام بمن فيهم السواق والحراس ولا يغادر المكان إلا بعد أن يتأكد من أن الجميع تناولوا طعامهم”.
ويختم رئيس مجلس إدارة “دار البلاد للصحافة والنشر” عبدالنبي الشعلة حديثه بالقول “إن شخصية المغفور له بإذن الله تعالى الأمير الراحل تضم خصائص مضادة، فهو إنسان بمعنى الكلمة متفهم ومنتظم ومتسامح وقائد ورجل دولة بكل ما تعنيه الدولة من معان”.