العدد 4779
الأحد 14 نوفمبر 2021
banner
حداثة أم تحديث؟
الأحد 14 نوفمبر 2021

لماذا بقيت بلداننا العربية غير قادرة على اللحاق بقطار الحداثة حتى الوقت الحاضر؟ لقد عاشت عقودا سبعة من التحولات الثقافية والاجتماعية، واستطاعت أن تجلب كل أدوات التحديث من وسائل التواصل الاجتماعي والعمرانيّ والارتقاء بالتعليم ومراكز البحوث، ما مكنها من بناء نموذج تنموي تحديثي، أي أنها نجحت في استجلاب التحديث لكنها لم تستجلب الحداثة كما يرى أحد الباحثين. 
مناسبة هذا الحديث كتاب صدر حديثا للمفكر البحرينيّ د. حسن مدن بعنوان “حداثة ظهرها إلى الجدار.. قراءات في التحولات الثقافية في مجتمعات الخليج والجزيرة العربية”، فالحداثة كما عرّفها ليست موضة تتغير كل سنة، حيث نجد المثقف الحديث يغير هواه كل فترة تبعا للموضة الجديدة. الحداثة هي تجاوز للخمول والتكرار والدوغما والارتهان بالمطلق لمنظومة مفاهيم يعاد اجترارها دون تبصر، وغالبا ما تحوّل الحداثة إلى صنم لا قيمة مطلقة دون تبصر في المحتوى، وبدل إنتاج المشروع المجتمعي المقبل يتوه المثقف في تشوش ذهنيّ وثقافيّ يزيده عزلة عن واقعه، ويعمق القطيعة بين الحداثة الحقيقية والمجتمع.
رصد الباحث العزلة التي عاشتها الأقطار العربية منذ ظهور الإسلام حتى وقتنا الحاضر، والذي استطاع – الإسلام – كسرها. حسب رؤية الباحث ان التضاريس الطبيعية المعقدة للجزيرة العربية وشح الموارد فيها جعلا منها بيئة غير جاذبة للقوى الأجنبية الطامعة، فظلت في حال سكون وعزلة ممتدة، وبالتالي لم يحدث تحول يذكر، وبقيت البنى الاجتماعية عصية على التفكيك، وهذا بخلاف الساحل الشرقي وأقطار الخليج العربية الأخرى التي أصبحت جاذبة للأطماع الأجنبية وشهدت احتلالات من قبل الدول الاستعمارية.
لعل القارئ لتاريخ المنطقة وخصوصا الفترة التي وقعت فيها بلدان عربية تحت السيطرة البريطانية، يقف على طبيعة السياسة التي انتهجها الاستعمار، والقائمة على “الإبقاء على الوضع القائم”، الأمر الذي فرض عليها عزلة شبه تامة، أي أنّ المستعمرين لم يكلفوا أنفسهم عناء إقامة بنية تحتية، أو إدخال أية خدمات كالتعليم أو الصحة، ناهيك عن الخدمات الثقافية التي كما ينظر إليها المستعمرون في عداد الترف، وما قاموا به من خطوات تحديثية جاءت متأخرة جداً.
ولابدّ من الإشارة هنا إلى الدور الذي لعبته الهند للنخب الثقافية الأولى لما أتاحته من تعرف على حضارات بلدان أخرى وفتح النوافذ على جديد الثقافة العربية من خلال اطلاعهم على الدوريات الصادرة في مصر والشام والعراق.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية