نحن البشر لا يدومُ لنا حال، بل نتغير على مر السنين، فالتجاربُ التي نخوضها، والمواقف التي نمر بها، وأيامنا التي تمضي فتنقص من عمرنا، وقصص الآخرين وتجاربهم التي نقرؤها أو نسمع عنها، كل ذلك يتركُ فينا أثرًا، ويختلف الأثر من شخص لآخر بحسب مستوى فهم هذا التغير. وبما أن القارئ يميل إلى المواقف الواقعية التي تحمل فكرة ذات مغزى أكثر من ميله إلى عرض الفكرة مجردة، أحببتُ أن أسوق موقفًا متضمنا لفكرة أعتقد أنها ستترك أثرا بكل قارئ فطن.
في الأسبوع الماضي أرسل لي شقيقي د. جعفر مقالا قد كتبه في مدونته باللغة الإنجليزية بعنوان “الوحدة أو العزلة”، وفي حقيقة الأمر كان المقال مليئاً بالأفكار المفيدة، إلى درجة أنني أعدتُ قراءته مراتٍ ثلاث. استعرض في المقال مشاعر الوحدة عند بعض الشعوب حول العالم، وكيف أن لهذا الشعور أثراً بالغًا على الإنسان ومجتمعه، ففي بريطانيا - وتحديداً في عام 2018 - قامت “تيريزا ماي” بإطلاق وزارة أسمتها “وزارة شؤون العزلة”، وهي أول وزارة في تاريخ بريطانيا بهذا المسمى، وكان من صلب مهامها العمل على مكافحة العزلة الاجتماعية، وتقديم الدعم العملي والعاطفي لهذه الفئة.
وجدت الدراسات أن شريحة كبيرة ممن تتراوح أعمارهم ما بين 16 و24 سنة قد عبّروا عن شعورهم بمشاعر الوحدة، فيا ترى لماذا يحدثُ ذلك؟ رغم أن العالم يعيشُ مرحلة جديدة مليئة بكل وسائل الترفيه والتواصل الاجتماعي وتقنيات الاتصال السريع. 
وذكر في المقال قصة شخصية واقعية لرجل جمعتهُ به معرفة سابقة، كان هذا الرجل ذكيا للغاية، ويتميز بمهارة عالية في مناقشة مختلف الأفكار، نهماً في القراءة إلى حدٍ كبير، لكن لم تكن بعض أفكاره مقبولة عند مَنْ هم حوله، ونتيجة لعدم التوافق مارسوا عليه نوعا من التجاهل وعدم الاهتمام؛ الأمر الذي جعله يعيش في عزلةٍ مع أفكاره تلك. لم يختر هو ذلك الانعزال لكنه وجد نفسه في غالب الظن مُرغما فآثر الابتعاد، وتوفاه الله بداية العام الجاري، وقد كان وحيداً وربما حزينا أيضاً، كان موته صدمةً كبيرة، جاءت قصتهُ بغير قصد أثناء نقاشنا حول ما تعانيه بعض الشعوب في الدول المتقدمة من مشاعر الوحدة والنزعة نحو العزلة الاجتماعية رغم ما وصلوا إليه من تطور وحداثة. هي قصةٌ من واقعٍ مليء بالكثير من القصص والعبر ولعلنا نعتبر، ودمتم بخير.