+A
A-

مدير “الجونة السينمائي”: الشغف سر تألقنا

بنجاح كبير انطلق في الفترة من 14 إلى 22 أكتوبر، مهرجان الجونة السينمائي الكبير، على البحر الأحمر، وكانت النسخة الخامسة هي الأكثر نجاحا وإثارة منذ انطلاقه في العام 2017 من حيث عدد المشاهدين وتجارب محترفي السينما الحاضرين والافلام، التي كان في طليعتها الفيلم المصري الناجح ريش أو Feathers للمخرج محمد دياب بعد لقب فينيسيا، وفيلم أميرة وغيرها من أفضل الأفلام. انتشال التميمي مدير مهرجان الجونة يتحدث للصحافيين عن مفهومه للاستمرارية القائمة على تراكم الخبرة والحفاظ على شغف البدايات، والمبنية على نظام صارم خال من البيروقراطية، ويفسح المجال للتلقائية والمبادرة والتجديد، وهي برأيه الخلطة التي عززت نجاح المهرجان وصنعت شخصيته الحيوية عبر السنوات وصولًا إلى عامه الخامس.
بعد مرور 5 سنوات على الجونة السينمائي.. يا ترى ما سر جاذبيته؟
الاستمرارية هي أول انطباع يتبادر إلى الذهن عندما نتحدث عن مرور 5 سنوات على مهرجان الجونة، فمعظم المشروعات الجادة في المنطقة العربية كانت فرصها في الصمود أمام الظروف القاهرة ضعيفة جدًا، وبالتالي عندما يستمر مشروع جاد يهتم بالثقافة السينمائية مُشيّد على ضوابط تنسجم مع تقاليد أعرق المهرجانات الدولية والعربية منذ تأسيسها وإلى حد الآن، فهذا بحد ذاته علامة مهمة. معظم المهرجانات الدولية المهمة التي بدأت قبل أكثر من 70 عامًا في مدن مثل كان ولوكارنو وكارلو فيفاري وصندانس، لم تكن مدنًا كبرى أو عواصم، ومع ذلك تمكنت من ترسيخ وجودها عبر السنوات لتصل إلى مكانتها الحالية. أنا أتصور أن مهرجان الجونة على مدار 5 سنوات استطاع إثبات وجوده كرقم مهم جدًا بين المهرجانات الدولية في المنطقة العربية، كونه مهرجانا يتمتع بجاذبية وفاعلية توازي مهرجانات عربية يصل عمرها إلى ربع أو نصف قرن. 
والجزء الحيوي في أي مهرجان هو قدرته على التقدم، أي عدم التراجع وعدم الوقوف في المكان، وهو ما تحقق بالنسبة لمهرجان الجونة بفضل الطموح والشغف. أنا راض جدًا عن الموقع الدولي الذي وصلنا إليه خلال هذه الفترة الوجيزة بحيث صار كثير من الوسط السينمائي خصوصا المحترف يعرف الكثير عن مهرجان الجونة وعن مدينة الجونة. 
تتحدث عن الشغف كأداة أساسية لنجاحكم؟
عندما يسيطر الروتين وتهيمن الضوابط التنظيمية الجامدة على أي عمل يفقد مع الوقت علاقته بمحيطه. الدورة الأولى للمهرجان هي الأكثر سطوعًا رغم أن المهرجان في ذلك الوقت لم تكن إقامته سوى تكريس لمستوى معتاد، في الوقت الذي نلحظ فيه قفزات في صناعة المهرجانات الدولية. البعض كان ينتظر فشلًا ذريعًا، أو أن يسير المهرجان على نفس خطى الكثير من المهرجانات السينمائية القائمة في مصر والمنطقة العربية، لكن ما حدث هو أن الدورة الأولى خلقت تحديًا جديدًا ليس لنا فحسب، بل لكل محيطنا السينمائي، لأن الوسط الصحافي والإعلامي والسينمائي لم يعد يقبل بمستوى أقل من ذلك الذي فرضه مهرجان الجونة في دورته الأولى. أتصور أن المضي بنفس روح التجديد والاستجابة للتلقائية والابتكار هو الضامن لاستمرار النجاح. 
هل تمكن مهرجان الجونة برأيك في دوراته الأربع الماضية من تحقيق الحضور الجماهيري المأمول؟ 
وجود الجمهور عامل مهم جدًا، لأن أفضل الأفلام في العالم لا قيمة لها دون جمهور يحضرها. مثلًا في السنة الأولى كان لدينا 18 ألف مشاهد، وارتفع عددهم إلى 22 ألفًا في السنة الثانية ثم تواصل الارتفاع. لكن في هذا الجانب ما يزال عدد التذاكر غير منسجم مع حجم المهرجان. هناك معضلات في المنطقة العربية، باستثناء مهرجان قرطاج، تتمثل في قلة تفاعل الجمهور وحضوره للمهرجانات. هناك معضلات بعضها يتعلق بنا وبعضها لا يتعلق بالمهرجان نفسه. أزعم أننا بحاجة دائمًا لأن تكون لدينا خطة دعائية كافية وجيدة للوصول إلى الناس. فالمهرجان مصمم على أساس أن هناك جمهورا يزور المدينة خصيصًا من أجل المشاركة في فعالياته، ومستقبله متوقف على قدرته في استقطاب أكبر عدد من الجمهور والوافدين إلى المدينة خلال أيام انعقاده. رأينا هذا الأمر بوضوح في العام 2020، ففي السنوات التي سبقته كان ضيوف المهرجان يشكلون نصف الجمهور، بينما في العام الماضي شكل الضيوف نسبة ربع أو ثلث الجمهور فقط، ما يعني أن جاذبية المهرجان للجمهور تزداد عامًا بعد آخر، وكذلك بالنسبة للجهات المهتمة بالتفاعل مع أنشطته ودعمه ماليًا. 
وفرص استمرارية المهرجان مبنية على تحوله إلى نقطة وصل بين مصالح الآخرين ومصالحه وبين اهتمامات الآخرين واهتماماته، وأتصور أننا خلال هذه السنوات الخمس استطعنا الوصول إلى هذه المرحلة. 
مهرجان الجونة أيضًا يتمتع بميزة، لم يسبقه إليها أي مهرجان آخر في المنطقة العربية، لقد أصبح مهرجانًا شعبيًا، يتندر الناس مع بعضهم البعض فيقولون “انت فاكر نفسك في مهرجان الجونة”. يرجع جزء من ذلك إلى الطريقة والمفهوم الذي تأسس وعمل به المهرجان، لكن جزءا كبيرا منه يعود أيضًا إلى حسن حظه، وهو عامل مهم إلى جانب الاجتهاد. فالمهرجان جاء في توقيت مناسب، إذ كان الناس في البلد وفي المنطقة يتطلعون إلى قصة نجاح، وصادف أن يمثلها مهرجان الجونة ومشاركة مصر في كأس العالم. 
 من الأسباب الأخرى هو أننا أتينا في توقيت أصبح للتليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي دور أكبر من قبل. قمنا بالأشياء نفسها التي كان يقوم بها كل من مهرجان دبي ومهرجان أبو ظبي، لكنهما لم يصلا إلى شعبية الجونة الذي صار موضع اهتمام السينمائيين والمختصين ورجل الشارع العادي أيضًا، بفضل التليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. كل هذه العوامل خلقت جوًا جديدًا مهمتنا الحفاظ عليه، وهي مسؤولية كبيرة علينا المضي في تحملها.