+A
A-

"الجيل الذي سيفقد ذاكرته" و"تغيير بلا بدائل".. استشرافان لمستقبل الذات العربية

تطل انتصار البناء على الواقع العربي الراهن عبر زاويتي نظر تبرزان من كتابيها: "الجيل الذي سيفقد ذاكرته"، و"تغيير بلا بدائل.. أزمة التحول في الوطن العربي"، الصادرين عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن، لتقدم وجهة نظر موضوعية، تتخذ من الواقع العملي وسيلة للفهم والعبور نحو واقع جديد.

وتضمن الكتاب الأول "الجيل الذي سيفقد ذاكرته" 66 مقالا ومقدمة، عالجت جميعها قضايا مرتبطة بالواقع الاجتماعي المعاصر في الوطن العربي، وبرزت خلالها عناوين تمثل قضايا ملحة، من مثل: "المستقبل ومصادر الثقافة الخليجية"، "وخراب المدن العربية"، و"المثقف العربي وأزمة التصالح مع الواقع"، وسوى ذلك مما يشير إلى كثير من مواطن الخلل، أو يقدم رؤى تقدم الواقع على حقيقته.

وجاء الكتاب في 176 صفحة من القطع الكبير، وبينت البنا في مقدمته التي وسمتها بـ"انكسارات الذات الجمعية العربية" ما للذاكرة من موقع هام في الثقافة العربية؛ "فالذاكرة إحدى إشكالات الفكر العربي المؤثرة في مساراته السياسية والثقافية تأثيرا بارزا". وطرحت خلال ذلك مجموعة من الأسئلة التي تقول: "ما هي مكونات الذاكرة الجمعية عند العرب؟ ما هي أبرز محطات الذاكرة العربية؟ ما هي تحولات الذاكرة العربية؟ كيف شكلت الذاكرة الجمعية صورة العرب عن أنفسهم، وصورة الآخر؟ كيف أثّرت الذاكرة في الحاضر؟ وأي مستقبل يمكن أن تؤسِّس له؟".

ورأت أن طرح موضوع الذاكرة وأسئلتها على غاية من الخطورة والأهمية؛ ذلك أنه: "مع طغيان اتجاهات ما بعد الحداثة التي تقوم على هدم السرديات الكبرى، وتشييد سرديات صغيرة مؤقتة لعلاج الواقع، ومع امتلاك غالبية فئات المجتمع لوسائل الاتصال التكنولوجي التي مكنتها من تجاوز حدود الزمان والمكان والثقافة؛ قد يتشكل جيل عربي جديد يختار أن يفقد ذاكرته الجمعية، ويؤسِّس ذاكرة جديدة أكثر ملاءمة لأسلوب حياته في المستقبل".

أما الكتاب الثاني "تغيير بلا بدائل"، فجاء في 212 صفحة من القطع الكبير، وتناول مجموعة من القضايا المتصلة بالواقع السياسي في البلدان العربية، وما نجم عن الثورات من مآسٍ وتغيرات في غير بلد عربي. وحفلت مقالاته الـ77 بالإضافة إلى مقدمته بمواضيع من مثل: "ما بعد الدولة المركزية ومسألة المواطنة في الوطن العربي"، و"تغير الوعي في الوطن العربي"، و"خطاب الكراهية وبرقع الوطنية الزائف"، وسوى ذلك من موضوعات تصف الواقع بتفاصيله، وتحاول في الوقت نفسه أن تقدم بدائل تعين على الولوج إلى مستقبل آمن.

ورأت أن ما حدث في السنوات العشر الأخيرة مثَّل في جانب منه رغبة في "الوصول إلى حالة من الديموقراطية تضاهي في شكلها ونتائجها النموذج الغربي، سواء في أنظمته الجمهورية، أو الملكية الدستورية، لكنهم (الشباب) لا يعرفون السبيل إلى ذلك. وفشلت أغلب محاولاتهم، وبقي المسار إلى الديموقراطية الغربية بطيئًا، وتواجهه تحديات أكبر بكثير من حجم الطموح. وربما كانت الإشكالية الكبرى التي كشف عنها حراك "الربيع العربي" أنه حراك انفعالي وعاطفي احتشدت له الجماهير، لكنه افتقر للفلسفة والتخطيط وتحديد الأهداف، ولم يرسم خارطة طريق واضحة تحدّد شكل التغيير وإجراءاته وأدواته".

ورأت على سبيل المثال أن مسألة الهوية "من أكثر المسائل تعقيدا في الوطن العربي؛ لأنها مزيج من التاريخ الطويل المعقد في تشابكاته وتعدد قراءاته، ومن الجغرافيا المتمددة تارة والمنكمشة تارات، والآيديولوجيا القارة والطارئة. مسألة الهوية جزء من الحروب الثقافية أحيانا، وإحدى أدواتها أحايين أخرى".

وخلصت من ذلك إلى أنه "قبل المضي نحو التغيير بحماسة وجزم علينا اكتشاف ذواتنا، ومعرفة مجتمعنا معرفة واعية، وتفكيك البنى الثقافية والاجتماعية والديموغرافية التي نعيش في خضمّها. علينا معرفة من نحن أولًا، وماذا نريد بدقة ثانيا، وكيف نحقق أهدافنا ثالثا وليس أخيرا. أسئلة الماهية والكيفية يجب أن تشغلنا، وأن نتقن الإجابة عنها؛ كي نعرف إلى أي مصير نتجه".

ومن الجدير ذكره أن انتصار البناء كاتبة وناقدة بحرينية، لها عدد كبير من الدراسات والمقالات المنشورة في صحف ودوريات عربية. حصلت على شهادتي البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، والماجستير في البلاغة والنقد، من جامعة البحرين، ودرجة الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث من الجامعة الأردنية.